إحسان شمران الياسريليس فينا من يجهل مكامن القوة والضعف، والصدق والأمانة والعطف والقسوة وعشرات الصفات والخصال والمزايا والعيوب. بعضها مستقرة فينا! وبعضها نُصدّرها للآخرين، فيما نُعيرهم بعضها، ونستعير منهم.
ولستُ هنا لأبحث في أمر شائك من باب التحليل العميق، بل أقيس على حالي وعلى حال من أعرف، ومن أتعامل معهم، وعلى من يرأسوني في العمل أو أرأسهم.. وكلما أمعنت النظر في الأشياء التي أمامي أو بجانبي أو بيدي، وجدت إن أشياء كثيرة نحن ندفعها لآخرين، أو يدفعونها لنا، فنجعلهم يختبئون فينا دون أن نعني.. وهكذا تولد من دواخلنا أو بفعلها أشياء عجيبة.فأنتَ وأنا صنعنا الطُغاة إذ هتفنا لهم ومجّدنا أفعالهم.. والطاغية قد لا يكون رئيس الجمهورية أو رئيس مجلس قيادة الثورة. بل قد يكون صديقك أو رئيسك في العمل أو نقيب نقابتك أو أم زوجتك! وأنت تصنع المُغني الفاشل عندما تستمع إليه وتهز رأسك طرباً وأنت تقول في سرك (ما هذا الهراء؟.. وما هذا الهرج والمرج)؟. وأنت تصنع المدير الفاشل عندما تهز رأسك موافقاً على كل ما يقوله حتى لو كان مخالفاً للقانون والتعليمات. وأنت تصنع المرأة السيئة عندما تقول لها (عاشت يدك حبيبتي) فيما هي تأخذك للجنون.والربيع العربي الذي يحدث اليوم في خريفنا الأسود هذا هو إبن شرعي لطغاة نحن صنعناهم وخلعنا عليهم كل الخلع التي جعلتهم لا يصدقون إن ثمة من لا يريدهم. فقبل نحو عام (لا أذكر بالضبط) جلس مع عقيد ليبيا الراحل معمر القذافي عشرات السياسيين والمثقفين العراقيين يستمعون لتوجيهاته ونصائحه في كيفية تحرير العراق من الأمريكان ومن الحكومة التابعة لهم!!كان بعضهم يهزّ رأسه إفتتانا بمقالة العقيد.. لا أدري ماذا سيفعلون بعد أن أطاح به شعبه؟. والى أي طاغية آخر سيذهبون لاستلام التوجيهات حول مصير العراق؟إن الطغاة والفاشلين والفاسـدين وعديمي الإرادة و(الذوق) يختبئون فينا إذ نحن نتقّبل عن إرادة تمجيدهـم والصلاة على قبلتهـم.. صحيح إننا لا نسـتطيع على الدوام أن نقول ما نعتقد بوجه من لا سلطان لنا عليه، فهذهِ واحدة من حقائق الحياة، ولكن أن نذهب بإرادتنا لتصنيع الفاشلين والفاسدين والطغاة، والسماح لهم بأن يكونوا ويكبروا ويتمددوا فهذه هي القصة موضوع هذهِ الأسطر.. إننا، كما يقول الشاعر سعدي يوسف (أن نبتني بيتاً فنُسجن فيه.. ما ربح الحياة؟!)..
على هامش الصراحة: إنهم يختبئون فينا
نشر في: 25 أكتوبر, 2011: 06:06 م