TOP

جريدة المدى > آراء وأفكار > هــل أصبحنـــا "أمــة لا تقرأ"؟

هــل أصبحنـــا "أمــة لا تقرأ"؟

نشر في: 14 أكتوبر, 2012: 05:09 م

 سليمة قاسم
كثيرا ما يفتخر العراقيون بكونهم " يقرأون الممحي" إشارة إلى قدرتهم على معرفة الكثير من الأمور بذكائهم الخارق . وقد عُرفوا أيضا بولعهم الشديد بالقراءة، لاسيما  في عصر الثقافة الذهبي في فترة السبعينات من القرن الماضي، حتى ترددت مقولة" القاهرة تكتب وبيروت تطبع وبغداد تقرأ"
تذكرت تلك المقولة وشعرت بفرح غامر حين استاذنت الفتاة التي كانت تجلس بقربي في سيارة الأجرة، لتقرأ الجريدة التي كنت أقلب صفحاتها، لكن حماستي أصابها الفتور حين أخرجت تلك الفتاة قلما من حقيبتها الجميلة لتبدأ بحل الكلمات المتقاطعة!
وهو ليس الموقف الوحيد الذي أصابني بالإحباط، فقريبتي الحاصلة على الماجستير في هندسة الحاسبات، سألتني في أحد الأيام عن جنسية الشاعر عبد الوهاب البياتي، اعتقدت في بادئ الأمر أنها  تمزح معي، فهل يعقل أن فتاة متعلمة أمضت نصف حياتها في التعلم لا تعرف جنسية"البياتي"!
أما  منظر امرىء يقرا كتابا أو صحيفة في مكان عام فلم نألفه منذ زمن ليس بالقصير، ليعطينا  دليلا صارخا على أننا أصبحنا "أمة لا تقرا".
 ويبدو أن العزوف عن القراءة لا يعانيه العراقيون فقط، بل شعوب الدول العربية ككل، فقد كشف تقرير التنمية الثقافية الذي تصدره مؤسسة الفكر العربي عن تدهور نسبة القراءة بين العرب مقارنة بالغربيين، وان متوسط قراءة الفرد الأوروبي نحو عشرين ساعة سنويا. أما المواطن العربي فمعدل قراءته لايتجاوز الست دقائق!
وفي بريطانيا وحدها يتم نشر ألفي كتاب سنويا ،أما  في العالم العربي فيتم إصدار سبعة عشر كتابا لكل مليون عربي. فيما تنتج أصغر دولة في أوروبا، وهي بلجيكا، أكثر مما تنتجه الدول العربية مجتمعة من الكتب، وتبذل الحكومات الغربية جهودا استثنائية من أجل تشجيع مواطنيها على القراءة، فقد بادرت إحدى الدول مثلا  بتخفيف مدة محكومية نزلائها من المسجونين عن كل كتاب يقرأونه، ويلخصون فكرته. في حين أن ثقافة القراءة في الدول العربية لم تصل بعد إلى مرحلة الأولوية في اهتمام مواطنيها.
أهمية القراءة تكمن في كونها أداة لخلق الوعي، وبث روح الثقافة، وتنوير الأجيال، وهي تسهم في زيادة المخزون الثقافي لدى الإنسان، للاستفادة منه في تحسين نمط حياته وخلق مجتمع واع، باعتبارها أرقى الوسائل لفهم طبيعة المجتمع، وما لها من تأثير كبير في تحصين العقول وحمايتها من الانزلاق.
أسباب العزوف عن القراءة متعددة ومتشعبة، لايتسع المجال لذكرها هنا، لعل في مقدمتها الحروب والحصار وما نتج عنها من تنامي الأمية الأبجدية، إذ أعلنت إحدى المنظمات المختصة، عن وجود خمسة ملايين أمي في العراق،  وتراجع المستوى الثقافي بصورة عامة في السنوات الأخيرة، نتيجة السياسات الخاطئة التي اتبعها النظام المباد، الذي كان يرى في المثقف عدوه الأول، وتحول الكتاب إلى وسيلة إدانة قد تقود صاحبها إلى الإعدام. وفي سنوات الحصار أصبح الناس أسرى احتياجاتهم يسعون إلى تحصين بطونهم من الجوع ، وفاتهم أن يحصنوا عقولهم بالقراءة.
أما بعد التغيير، فقد سيطرت النظرة الدونية، على قطاع الفكر والفن بصورة عامة، وضعف الدعم الحكومي لهما. أما المناهج التربوية فلا تحض الطفل على القراءة، فضلا عن اتساع مساحة التكنولوجيا الحديثة في حياة الجيل الجديد، مثل الإنترنت  وألعاب الفيديو، والبرامج التلفزيونية، مما أضعف صلتهم بالكتاب الذي يهدف إلى إيصال المعلومة إلى كل من يطلبها كحق حضاري وإنساني.
حال القراءة انعكس بشكل مباشر على صناعة الكتاب، فحين تسأل مثقفا ما عن أهم همومه تجدها تتلخص في صعوبة الحصول على ناشر مستقل يأخذ بيده لنشر كتابه بغض النظر عن انتمائه وتوجهه الفكري، فيضطر المثقف اليوم إلى طرق أبواب عدة وتملق أصحابها في سبيل نشر كتابه، وقد يموت الكثير من المبدعين دون أن يستطيعوا نشر كتاب واحد.
تلك النظرة المتشائمة عن انهيار صلتنا الأبدية مع الكتاب، بددها رجل في متوسط العمر، جلس بملابس العمل أمام أحد محال تصليح المواد الاحتياطية، ليقرأ جريدته. وأخيراً سئل فولتير عمن سيقود الجنس البشري  فأجاب" الذين يعرفون كيف يقرأون " !

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق الدولي للكتاب

الأكثر قراءة

العمود الثامن: الغرابي ومجزرة جسر الزيتون

العمود الثامن: نون النسوة تعانق الكتاب

العمود الثامن: مسيرات ومليارات!!

ثقافة إعاقة الحرية والديمقراطية عربيا

"دبلوماسية المناخ" ومسؤوليات العراق الدولية

العمود الثامن: نصف قرن من التفوق

 علي حسين في مثل هذه الأيام، وبالتحديد في الثاني من كانون الاول عام 1971، أعلن الشيخ زايد عن انبثاق اتحاد الامارات العربية، وعندما جلس الرجل البالغ آنذاك خمسين عاماً على كرسي رئاسة الدولة،...
علي حسين

كلاكيت: في مديح مهند حيال في مديح شارع حيفا

 علاء المفرجي ليست موهبة العمل في السينما وتحديدا الإخراج، عبئا يحمله مهند حيال، علّه يجد طريقه للشهرة أو على الأقل للبروز في هذا العالم، بل هي صنيعة شغف، تسندها تجربة حياتية ومعرفية تتصاعد...
علاء المفرجي

البَصْرة.. لو التَّظاهرُ للماء والنَّخيل!

رشيد الخيّون تظاهر رجال دين بصريون، عمائم سود وبيض، ضد إقامة حفلات غنائيَّة بالبصرة، على أنها مدينة شبه مقدسة، شأنها شأن مدينتي النَّجف وكربلاء، فهي بالنسبة لهم تُعد مكاناً علوياً، لِما حدث فيها من...
رشيد الخيون

الانتخابات.. بين صراع النفوذ، وعودة السياسة القديمة

عصام الياسري الانتخابات البرلمانية في العراق (11 نوفمبر 2025) جرت في ظل بيئة أمنية نسبيا هادئة لكنها مشحونة سياسيا: قوائم السلطة التقليدية حافظت على نفوذها، وبرزت ادعاءات واسعة النطاق عن شراء أصوات وتلاعبات إدارية،...
عصام الياسري
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram