د. فالح الحمراني* يواجه العراق دولة وشعباً امتحاناً عسيراً وخياراً صعباً بشأن الموقف من بقاء القوات الأمريكية في أراضيه أو مطالبتها بالخروج. وانقسم شعب العراق إلى قسمين بين رافض لبقاء القوات الأمريكية / الأجنبية إلى مدى آخر أو الطلب بخروجها وفق الاتفاقية الموقعة بين الدولتين. ليس هناك اية غضاضة بأن الأطراف مستعدة للمضي قدماً بتنفيذ الاتفاقية روحاً وحرفاً، وهذا بالتأكيد من أخلاقيات الدول المعاصرة والمتحضرة: الإيفاء بالتزاماتها.
باشرت الإدارة الأمريكية في الآونة الأخيرة إرسال إشارات الى شخصيات منها مغفلة الاسم لتبلغ بغداد بان واشنطن قد تعيد النظر في قضية بقاء المدربين، وحينها كما قال العديد من المراقبين فان عملية تدريب الجيش العراقي وتأهيله بما في ذلك على الأسلحة الأمريكية ستواجه صعوبات. إن التعاطي مع مثل هذه القضية ينبغي أن يكون موضوعياً وواقعياً وليس من دوافع الانفعالات والمشاعر والحسابات البسيطة. ولاشك أن المشاعر الوطنية تحظى بالاعتزاز، وصيانة الاستقلال والسيادة من أولويات الوطنية الحقة، ولكنها قد تعرقل وتضبب رؤية الحقيقة والطريق الذي يصب بصالح العراق في المرحلة الحرجة الراهنة. ويجب التمييز بين المواقف الوطنية الصادقة وتلك التي تهدف الى تحقيق أهداف حزبية ضيقة أو شخصية أو تخدم أجندة أجنبية واضحة المعالم. وقبل البت في القضية لابد من رسم الإجراءات وإيجاد الآليات لمواجهة التحديات التي تواجه بلدنا اليوم. إن ضعف مؤسسات القوة بأكملها قد يثير شهية الآخرين، وما أكثر الاعتداء علينا وحتى في عقر دورنا،واستفزازنا ونهب ثرواتنا. ان الدول المجاورة راحت تغمط حقوقنا رامية بعرض الحائط مبادئ حسن الجوار والعلاقات الدينية والإنسانية والتاريخية العريقة التي تربط بين الشعوب وأنقصت حصتنا المشروعة من انهار أخذت أرضنا تسميتها منها وجففت أخرى روافدها، وأرسلت ثالثة غربان الموت لتزرعه في كل مكان لتلاحق الإنسان العراقي بأعمال إرهابية بشعة.إن الدول الضعيفة تاريخيا تلجأ في مثل هذه الظروف إلى الدول الأقوى تبحث عن الدعم والحماية لحين يشتد عودها. وعلينا كعراق البحث عن حلفاء وشركاء، مع الأسف لم ترشح التطورات احد دول الجوار او الخط الذي ما بعدها جغرافيا. إن دول الاتحاد السوفياتي مثلا تدعو بإلحاح أمريكا ودول أوروبا القوية عسكريا واقتصاديا لتكثيف حضورها فيها عسكريا واقتصاديا وثقافيا لإنعاش وضعها. إن مثل هذا التعاون طبعا ينبغي ألا يعطي الفرصة للتجاوز على السيادة والقرار المستقل، وهذه مهمة الذي جرى انتخابه لإدارة الدولة وتوفير ضمانات حمايتها وتوفير ملتزمات الحياة الكريمة للمواطن، الناخب. إن القرار يجب أن يكون عراقيا صرفا نابعا من الأولويات والاحتياجات ورصد المستقبل. ولا يمكن تجاهل الهواجس التي تطرحها بعض الجهات من تداعيات وجود قوات أجنبية في أراضي البلد وكونها تهدد بتهميش السيادة والاستقلال. ولكن هناك شرائح واسعة لها هواجسها أيضاً من أن يلهم انسحاب آخر جندي أمريكي الخلايا الإرهابية النائمة وأولئك الذين ردعهم الوجود الأمريكي لينطلقوا من جديد للتنظير للعنف وركب موجته بالسر والعلن والقيام بحملة إرهابية جديدة بحجة التخلص من القوى التي يزعمون أنها جاءت على «دبابة أمريكية»، وتجدد حرب الشوارع بين مختلف الطوائف والأحزاب، وتفاقم العلاقات بين الأطراف المشاركة في العملية السياسية وانتقال الاحتراب من مجاله السجالي السياسي إلى المواجهات المسلحة. الجميع يعد الآن لمثل هذا الانعطاف في تاريخ العراق الحديث. لهذا يجب أن يتمخض القرار عن تفكير هادئ وموضوعي ونزيه.* إعلامي من العراق مقيم في موسكو
فـي الحاجة إلـى أمريكا
نشر في: 24 أكتوبر, 2011: 06:18 م