أمستردام- عدنان ابو زيد دأبت عشتار أحمد على التدخين بحذر وحرص على السرية، في ظل مجتمع عراقي محافظ ينظر إلى المرأة المدخنة نظرة سخرية من جهة، أو نظرة شك ودونية من جهة أخرى. لكن عشتار تستطيع اليوم أن تدخن بصور شبه علنية بعدما أتاحت لها وظيفتها الجديدة الخروج من المنزل وتجاوز الحواجز المفروضة عليها في البيت. وفي الخميس من كل أسبوع تلتقي عشتار صديقات لها في إحدى كافتريات بغداد حيت تتجاذب النسوة أطراف الحديث الذي يحلو مع الدخان. لكن النظرة الاجتماعية إلى المرأة العراقية المدخنة ما زالت سلبية، ترتبط في الذهنية العراقية بالحرية "الزائدة" والمظهر الغربي، والإخلال بالأخلاق.
وطيلة عقدين من الزمن، لم تدع عشتار لعائلتها فرصة معرفة "حكاية تدخينها". وتقول عشتار إن أي علامة تشير إلى علاقتها بالسيكارة يعني تقييد حريتها ووضع العراقيل على حركتها من قبل والدها وأخوتها.لكن علاقة المرأة العراقية بالتدخين ليست طارئة، فالكثير من الأمهات العراقيات أدمنّ التدخين منذ زمن "اللف" و "المزين"، وهي أنواع من السكائر الرخيصة التي عرفها السوق العراقي منذ الأربعينات.كما ارتبط التدخين بعجائز العراق في صورة كيس التبغ أو " التتن " الذي تحمله العجوز العراقية المدخنة أينما حلت.وبحسب مدير برنامج مكافحة التدخين في وزارة الصحة عباس جبار هاني فإن نسبة المدخنات في العراق يبلغ حوالي 7% بين الإناث في العراق.وتقول أم نعمان (80 سنة) إنها أدمنت التدخين طيلة خمسة عقود ولم تتركه إلا قبل خمس سنوات..لكن أم نعمان تنتقد سلكويات الفتيات العراقيات المدخنات اليوم، فهن يتميزن بالميوعة والكسل والبذخ الزائد.وتضيف: كنا ندخن أثناء العمل في المزارع والبيوت ولم نذهب إلى كازينوات أو "كافتريات" بل كانت السيكارة تسلية لنا أثناء العمل الشاق.لكن الطالبة الجامعية لمياء حسين والتي شرعت بالتدخين منذ دخولها الجامعة تقول إنها تعلمت السيكارة من زميلات لها مدخنات.وتتابع: ندخن في الجامعة بسرية تامة وفي زوايا بعيدة عن الأعين بعض الشيء.لكن لمياء لا تجرأ على التدخين في البيت مطلقا بل لا تمتلك الجرأة في أن تصطحب علبة السكائر معها وتؤمنها لدى صديقة لها. أما زميلتها رقية التي تنحدر من أسرة منفتحة ومتحررة، فتستطيع أن تشبع نهمها من السيكارة وهي في البيت.وتقول رقية إن بعض زميلاتها يقصدن بيتها كل أسبوع لغرض التدخين وقضاء أوقات مسلية. ومازال الكثير من أبناء المجتمع العراقي المحافظ يربط بين تدخين المرأة والانحلال الأخلاقي.وفي ظل مجتمع متفتح كالمجتمع الهولندي، بدأت العراقية يسرى التدخين بجدية منذ وطأت قدمها الأراضي المنخفضة العام 1998. وقبل ذلك التأريخ كانت السيكارة بالنسبة لها بضاعة سرية تدخنها بعيدا عن الأعين.لكن يسرى تفاجأت في زيارتها إلى بغداد العام 2010، من انتشار النارجيلة بين النساء العراقيات في الكازينوهات والبيوت.ومازال بعض البعض من شباب العراق مثل سعيد (30 سنة ) لا يجد في تناوله السيكارة مبررا للسماح لأخته أو زوجته بالتدخين فيما لو أرادتا، ويضيف: السيكارة تربط بالرجل في العراق، وما يحدث من تدخين النساء للسيكارة، يعد أمرا استثنائيا.ويرفض سعيد بشكل مطلق فكرة أحقية المرأة في اختيار سلوكها، ويقول: الحرية أيضا لا ترتبط بالسيكارة.ويتابع: الدخان يرتبط بحالة نفسية تتولد غالبا لدى الرجال، ولا أتصور امرأة تدخن السيكارة وتقف إلى جانبي، لا أستطيع تحمل ذلك مطلقا. لكن التبريرات التي ينطلق منها سعيد في موقفه من المرأة المدخنة، بدت ضعيفة لإقناع الآخرين برأيه.وتقول سعاد محمد المقيمة في ايندهوفن في الجنوب الهولندي وتدخن منذ كانت في العراق، إنها عانت تزمّت الرجل العراقي تجاه المرأة المدخنة.وتتابع: إنه سلوك متطرف تجاه المرأة بشكل عام.وتصف سعاد الرجل الذي لا يحترم المرأة المدخنة، لا يحترم "الخصوصيات ".وتسترسل سعاد الحديث: لا يقصد الرجل الشرقي "التدخين" فحسب، فهو يتخذ منه مبررا لترسيخ قيود المجتمع الذكوري على المرأة.ؤ وتقول المحاسبة سعيدة الحسيني إنها تتعرض لمضايقات أثناء تدخينها السيكارة في أوقات الاستراحة إثناء دوامها في بنك الرافدين في بابل.وتتابع: يرمقني بعض الرجال بنظرات استغراب، أما بعض النساء المستطرقات فينظرن إلي بطريقة يشوبها الاحتقار.وفي مدينة محافظة مثل مدينة كربلاء (جنوب بغداد) فإن انتشار ظاهرة التدخين يلقي الضوء على مدى انتشارها في مدن أخرى أكثر انفتاحا، وبحسب مدير عام صحة كربلاء الدكتور علاء حمودي، فإن عدد المدخنين في كربلاء وصل إلى أكثر من 35% من عدد السكان الذي يتجاوز المليون شخص، وأن 85% منهم هم من الشباب، وأما النساء فبدرجة أقل.وتتذكر المدرسة العراقية المقيمة في هولندا هيفاء سالم، رحلتها مع التدخين التي بدت مبكرة منذ الأيام الأولى لدراستها في معهد الفنون الجميلة، حين ارتبطت في ما بعد بزميل دراسة لتنتهي علاقة الحب إلى زواج.وتلفت هيفاء إلى الازدواجية التي يعيشها الرجل العراقي حين تتذكر كيف ان زوجها كان يصرح لها في بداية تعارفهما انه يحب المرأة المدخنة لأنها ترمز الى التحدي والقوة والرومانسية والإثارة.وتتابع: لكنه بعد الزواج بدأ يشمئز من تدخيني وطلب منى ترك التدخين.وترى هيفاء أن المجتمع
مغتربات يروين تجاربهن مع السيكارة داخل الوطن وخارجه
نشر في: 18 نوفمبر, 2011: 07:25 م