اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > المنتدى العام > انفجار سؤال الهوية

انفجار سؤال الهوية

نشر في: 12 نوفمبر, 2011: 06:47 م

ساطع راجيوأخيرا، بعد قرن من التلاعب وغش الذات والتخدير، انفجر سؤال الهوية بوجه الجميع في منطقتنا التي لم يعد من السهل اطلاق اسم عليها، سؤال الهوية هذا كان يدار خلال عقود من السنين داخل حلقات النخبة أو بين زعماء السياسة واحزابها، وكان الجمهور هامشا فيه أو ضحية لبعض معاركه، كان السؤال يصعد ويهبط متأثرا بالتحولات السياسية وتداول الزعماء مقاعدهم عبر الانقلابات والاغتيالات،
كان كل واحد منهم يريد أن يكون بداية جديدة فيستعين بالمثقفين المنشغلين أبداً بسؤال الهوية أو الذين استحوذت عليهم إحدى الاجابات فيوفر هؤلاء عدداً مناسباً من العبارات الهلامية التي تستخدم دعاية للعهد الجديد وتبدو في نفس الوقت تحديدا لهوية المرحلة، أي إن السلطة هي التي تحدد الهوية ولو بالحديد والنار.في أيامنا هذه، دخل "العامة" في محنة سؤال الهوية، إنها أيام الديمقراطية أيام العامة، حيث لا زعماء، بل ان غياب الزعماء هو اكبر المشتركات بين الحركات الاحتجاجية في تونس ومصر وليبيا وسوريا واليمن وفي الحراكات المتصاعدة في بقية بلدان المنطقة، هذه الايام يتورط العامة في توفير الاجابة على سؤال الهوية الملح في اكثر من بلد لأن الاجابة هي التي تحدد شكل الدولة ومسارها ومستقبلها بعد انهيار الهياكل القديمة، وهي هياكل كانت قائمة على اجابات ترقيعية وملفقة قادت الى دوامة من الخراب والفشل والاحتقانات لأنها لم توفر اجابات حاسمة ولم تسمح في نفس الوقت للمجتمع باقتراح إجابات ممكنة قابلة للتداول والمناقشة والقمع يؤدي الى العنف والعنف المضاد، وهكذا جاءت سنوات الهويات المتحاربة، قومية ودينية وفكرية، انفجر سؤال الهوية فاندلقت احشاء المجتمع ومكبوتاته وجثثه، خرجت القبائل شاهرة سيوفها كما أفلت الاموات من قبورهم، الجميع يريد مكانا في المشهد وكل ذلك عبر الاجابات المقترحة على سؤال الهوية، وهي اجابات تتسلح بالعنف أكثر مما تمتلك من قدرة الاقناع او فرص النجاح.التلكؤ في الاجابة او الاجابات الترقيعية بحجة الوسطية (التالفة) او الاجابات غير الحاسمة ستؤدي الى خسائر فادحة وحالة كارثية من الفشل كما هو حاصل في العراق، حيث يريد المواطنون بلدا موحدا حديثا لكنهم ينتخبون زعامات وقوى طائفية او عنصرية تريد إحياء الماضي الذي اصطنعته في ادبياتها على هواها وعلى رغم حقائق التاريخ والجغرافيا، مواطنون يريدون التعايش لمكونات متنوعة بينما هم ينساقون في واحدية متلفة تؤسس لكانتونات ودول صغيرة بقياسات تنطبق على اجساد الزعماء والاحزاب.على مدى عقود كان سؤال الهوية يطرح شعبيا بصيغة "من نحن؟" وهي صيغة تتحول في التداول الى سؤال "من كنا، من أين جئنا؟" أي انه ليس سؤالا عن الذات بل عن الاصل، وعليه كان النقاش دائما أشبه ببحث في علم الوراثة او علم الانساب، كأننا شعوب من اللقطاء أو الطارئين، إنه سؤال بدوي بحت وكانت الاجابات عنه تتوفر عبر عمليات غش يقوم بها تلاميذ فاشلون يطلق عليهم اسم مفكرين من باب الخداع أو باب المزاح أو باب النفاق وهي أبواب دخلتها شعوب تائهة منذ ما يزيد على قرن، كان التلاميذ الفاشلون ينظرون الى الاجابات في الدفاتر الامتحانية لشعوب بعيدة عنا مكانيا أو زمانيا في تجارب مختلفة ثم يسرقون الاجابات ويضعون اسماءهم عليها فتكون النتيجة دائما صفرا كبيرا ملوثا بأنهار من الدم، ولكن هاهي ساعة الحسم دقت كما يقول القذافي مثل حقيقة من فم مجنون.هل شعوب هذه المنطقة عرب وكرد وتركمان وامازيغ وأرمن واسرائيليون و..إلخ حسب انسابهم؟، أم هم مسلمون ومسيحيون ويهود وصابئة وزرادشتيون و..إلخ حسب اديانهم، أم هم سنة وشيعة وعلويون واسماعليون وبهائيون و...إلخ حسب طوائفهم، أم هم قوميون وعلمانيون ودينيون وشيوعيون و...إلخ حسب أحزابهم، وهناك قوائم اخرى كثيرة من الهويات التي يمكن ان تكون إجابات لسؤال الهوية بصيغة "من نحن؟"، واختيار مفردة واحدة لتكون الاجابة على السؤال اعلان حرب الجميع ضد الجميع أما القول إن الاجابة هي كل تلك المفردات فهو نوع من الخداع العاطفي يؤسس للاعتراف بطواقم هائلة من الزعامات تريد أن تحكم ما يسمى دولا.توفير الاجابة على سؤال الهوية هو حاجة حيوية لتحقيق الامن والتنمية والسلام وبناء الدول ويبدو إن أي اجابة حاسمة في منطقتنا لن تتوفر إلا بتغيير صيغة السؤال فبدلا من "من نحن؟" يمكن اعتماد صيغة "ماذا نريد؟"، وبدلا من سؤال الاصل يمكن اللجوء الى سؤال المستقبل.الاحتيال السياسي يمكن ان يقود أيضا الى تحريف تدميري لسؤال الهوية بصيغة المستقبل فأحدهم قد يقول في إجابته المقترحة على السؤال "نريد دولة دينية" أو "نريد دولة قومية" أو "نريد دولة علمانية" لكن هذه الاجابات تتعلق بما يريده حزب يخطط للاستيلاء على الحكم لفترة طويلة أكثر مما يفكر ببناء دولة تستجيب لحاجات  المجتمع، والمهووسون بالسلطة سيجدون الكثير من الاتباع الاغبياء الذين لايميزون بين ما يريدونه هم وما يريده زعماؤهم وبالتالي سيبقى هؤلاء الاتباع سجناء للاجابات والاسئلة الخاطئة وهو ما يجر الى صدامات ودول تائهة تحت تأثير السموم التي انبعثت عن انفجار سؤال الهوية في المنطقة، المشكلة الكبرى في التعامل مع سؤال الهوية على انه سؤال الاصل والانتماء إنه سيقود

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

كاريكاتير

كاريكاتير

ميثم راضيميثم راضي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram