هاشم العقابييرى علماء النفس ان هناك صفات نفسية مشتركة بين كل الطغاة. فأكثر الحاكمين بامرهم من الشواذ. لان الرجل السوي لا يستطيع تحمل حكم امة من الأمم حكما استبداديا. واكثر الطغاة كانوا قد تمردوا في طفولتهم على سلطة آبائهم. وهذه التمرد جعلهم يمتلكون ارادة اقوى من غيرهم. ولهذا نجحت ثورتهم بعد الطفولة البائسة والحرمان فثأروا لأنفسهم وانتقموا لما لحقهم من اهانة وسوء معاملة عن طريق فرض سيطرتهم على الغير.
ويلاحظ ايضا ان اغلب طغاة العصر الحديث ولدوا فقراء. فموسيليني وهتلر وصدام وغيرهم كانوا في فقر مدقع، وعاشوا طفولة مهشمة وقاسية. وفي نزعتهم للطغيان تعويض لمعاناتهم الطفولية المرة عن طريق البحث عن القوة وطلب المجد والشهرة.وعن سؤال: لماذا يصل الطغاة الى السلطة في يسر وسهولة وكأن الأقدار تسدد خطاهم وتيسر لهم السبيل وتذلل امامهم العقبات؟ السبب، كما يجيب المتخصصون، هو الناس الذين يتكاثرون حول الطاغية ويخلطون انفسهم به ويصبحون منه ويصبح منهم.فالنفساني ستيكل يرى ان شك الفرد في ان الزعيم غير معصوم يقل ويضعف كلما كثر انصاره وقويت شوكته وزاد نفوذه. وكلما كثرت الجموع الملتفة حول الزعيم قلت الحاجة الى الشك في قوته وعم البلاد تمجيده وخرت الأمة كلها عند أقدامه.وان كنت قد تحدثت امس عن دور الجماهير في صناعة الدكتاتور. واوجزت اليوم بعضا من خصائصه النفسية، فهذا لا يعني ان تلك الاسباب مطلقة وتنطبق على كل شعب وعلى كل دكتاتور. فصدام مثلا قد يتشابه ببعض المواصفات مع هتلر. لكنه يختلف عنه من ناحية علاقة كل منهما بشعبه. فهتلر ليس له تأثير في شعوب الدول المحيطة بالمانيا. لكن الفرد الالماني كان يخر امامه ساجدا ويعبده عبادة. اما صدام فتأثيره على الشعوب العربية كان اكبر بكثير من تأثيره على العراقيين. لقد كان صدام هو "مكبر الصوت" الذي يضخم همسات الروح العربية وهتافاتها. بينما كان بالمقابل يكتم انفاس العراقيين. وان سار اغلب العراقيين خلف صدام في حروبه وانقادوا له فلم يكن ذلك بدافع الاعجاب والمحبة، مثلما كان يفعل الالمان مع هتلر، بل بدافع الخوف وليس عن قناعة بقيادته.وهذا، برأيي، احد أهم الاسباب التي تجعلنا حين نزور اي بلد عربي نجد فيه الناس خاصة البسطاء منهم يمجدون صدام ويشيرون له كبطل من الابطال على العكس من نظرتنا له نحن العراقيين.قد يلاحظ القارئ من سلسلة الاعمدة التي كتبتها مؤخرا اني اسهبت قليلا في الحديث عن سايكولوجية الطغيان. شفيعي في ذلك، وكما قلت سابقا، هو كثرة التحذيرات من عودة الدكتاتورية للعراق. لا أدعي أن ما كتبته كاف للوقاية من شر الدكتاتورية. انه مجرد محاولة متواضعة تظل بحاجة الى جهود تربوية وإعلامية كبيرة تضيئها اكثر واكثر بهدف تحرير عقول الناس من الخوف. والوعي خير محرر للعقول وافضل حام لها من خطر الوقوع تحت تأثير العقل الجمعي الذي يضعف قدرتها على التمييز بين الخير والشر وبين المستبد والعادل.
سلاما ياعراق : نفسية الطغاة والناس
![](/wp-content/uploads/2024/01/bgdefualt.jpg)
نشر في: 22 أكتوبر, 2011: 08:51 م