د. مهدي صالح دوّاي تواجه الاقتصاد الوطني تحديات عدة في إطار سعيه لتأسيس عدد من الثوابت ذات العلاقة بفلسفته الاقتصادية وأدائه الاقتصادي العام بسياساته النقدية والمالية والتجارية، وفي خضم تلك التحديات وما يرافقها من ظروف اقتصادية دولية غير مواتية، تبرز مسألة الكلف البيئية للاقتصاد كأحدى المسائل التي ينبغي للقيادات التشريعية والسياسية والتنفيذية في البلد أن تضعها في أجندات مهامها الوطنية، لما للبيئة من دور حضاري واجتماعي
ونفسي يكمّل ما ينجزه العامل الاقتصادي من مكاسب، إذ أن نمواً " غير مخطط له، سيعمل على تدهور النظام البيئي، مما سيعطل من دور البيئة كوسيط ملائم ما بين التنمية والحياة.وحقيقة العلاقة ما بين الاقتصاد والبيئة قد جسدتها جملة أدبيات النمو منذ مطلع القرن العشرين، عندما تمادت الاقتصادات الرأسمالية في الضغط على موارد العالم النامي في إدامة عجلتها الاقتصادية التي رعاها اقتصاد السوق بشعاره المشهور ( دعـه يعمل دعـه يمـر )، في حين عرضت أدبيات التنمية في النصف الثاني من القرن العشرين أنماطاً" لأشكال الاستنزاف غير العادلة التي تتعرض لها الموارد الطبيعية، وقد كانت ( قمة الأرض ) في البرازيل 1994 مناسبة رسمية لإطلاق مفهوم التنمية المستدامة ( تلك التنمية التي تراعي متطلبات الجيل الحاضر من دون المساس بحاجات الجيل القادم )، وبدا مفهوم الاقتصاد الايجابي يعبّر عن تلك الأنشطة التي تهتم بضمان استمرارية رفاهية الإنسان مع بقاء البيئة الطبيعية من دون استنزاف. لقد عانت البيئة في العراق المزيد من الانحدار بسبب تداعيات الحروب والأزمات مما انعكس سلبا" على أشكال الحياة النوعية فيها، لاسيما النبات والهواء والأحياء المائية، ما يستدعي أدوارا" ايجابية للخطط الاقتصادية بدلا" عن استنزاف غير منضبط للموارد على حساب البيئة والأجيال القادمة، فالاقتصاد في احد تعاريفه الاصطلاحية يعني الرشد والعقلانية، إذ لا ينبغي أن يتم الفهم على أساس تعظيم العائد وتدنية الكلف بمفاهيمها المادية فحسب، وإنما بإدخال حسابات العائد والكلفة المتعلقين بالبيئة، وهنا يكمن أساس الاستدامة في التنمية. إن من أهم مخارج تلك الاستدامة البيئية في أداء الاقتصاد العراقي هو التأسيس لنوعين من الاستثمار بإمكانهما تعظيم الآثار الايجابية للاقتصاد، (الاستثمار الأول)؛ ويتعلق بتطوير رأس المال البشري، من خلال تأهيله نوعيا" للتعاطي بايجابية مع جميع المتغيرات وأهمها البيئة ، إذ أن اقتصادا" معرفيا" سوف يقلل من اعتماده على الموارد الطبيعية والتعويض عنها بموارد معرفية غير مضرة بالبيئة، إضافة الى ضمان التعامل الراقي مع موارد البيئة بأشكالها وأنواعها المتعددة.. و ( الاستثمار الثاني ) يعتمد على مايعرف برأس المال الاجتماعي ببناه التحتية الراقية كالتعليم والصحة والسياحة بأنواعها.
فضاءات :اقتصادنا البيـئي
نشر في: 30 أكتوبر, 2011: 09:18 م