علي حسينلو توافر لنا ربع عدد منافقي السياسة من الذين نسمع تصريحاتهم هذه الأيام لاستقام حالنا، أقول ذلك بعد متابعة ادعاءات بعض السياسيين وتصريحاتهم التي لا يتحملها عقل إنسان، وحديث البعض منهم حول المؤامرة الأخيرة وممن تنبأوا بحدوثها وظلوا يرصدون مؤشراتها -سرا- منذ سنين طويلة. في حين تباهى آخرون أنهم تعبوا وأجهدوا أنفسهم كثيرا لكي يتم القبض على المتآمرين،
ما حدث في الأيام الأخيرة أثار انتباهي فيه أمران، أولهما سرعة التحول لدى البعض من النقيض إلى النقيض، وثانيها مراهنتهم على ضعف ذاكرة العراقيين وافتراض الغباء فيهم، فقبل أشهر خرج علينا السيد المالكي بأكثر من تصريح أكد فيه أن "زمن الانقلابات في العراق قد ولّى وأن الشعب هو الذي سيحدد شكل النظام السياسي فيه"، وكان بيان صادر عن الحكومة العراقية أكد عن المالكي قوله "إن الشعب في العراق اليوم هو صاحب الكلمة وحامي النظام السياسي المنتخب والمستفيد من منجزاته"، وإن الأيام التي يُفرض فيها النظام السياسي بالدبابات والمؤامرات قد ذهبت، فلا انقلابات ولا مهلة تعطى لهذه الحكومة أو تلك بعد الآن"، في اليوم نفسه خرج علينا احد أعضاء ائتلاف دولة القانون جواد البزوني ليعلن البشرى للشعب العراقي قائلا "إن زمن الانقلابات العسكرية ولى إلى غير رجعة ولن تستطيع أي جهة سياسية القيام به وإن ما يتم تداوله بين الحين والآخر عن وجود محاولات انقلابية لا تستند إلى أسس متينة من الواقعية. وأضاف البزوني إن الأميركان لا يريدون على الإطلاق المساس بالنظام الديمقراطي الموجود في العراق والذي قام بمساعدتهم وأنها لن تسمح بتاتا بأي محاولة لقلب نظام الحكم"، طبعا بعد هذين التصريحين اطل علينا أكثر من مقرب ليقدم نظريته السياسية والفلسفية عن زوال عصر الانقلابات العسكرية، ومازلت أتذكر كيف أن السيد سامي العسكري كاد يختنق من فرط النقاش والجدل مع احد السياسيين حول انقراض عصر المؤامرات.اليوم اكتشف المسؤولين أن التعليقات والأخبار التي نشروها عن الانقلابات دست عليهم ولم تكن صحيحة، وان أمريكا ساهمت في تضليلهم فارتدى فصيل المقربين زي وعاظ السلاطين وراح يحذرنا ليس من الضغوط الأمريكية أو إرهاب القاعدة الذي يتربص بنا، ولكن من الانقلابات والمؤامرات التي اكتشف ساستنا أن القطار الاميركي لا يزال يوزع الأدوار والمناصب، فيما رهط من المقربين يحذرون من اختطاف المنجزات التي حققتها العملية السياسية خلال السنوات الماضية، سياسيون لا يستحون، ولديهم قدرة هائلة على التلون، ولكن لأن أبصارهم معلقة دائما بالمنافع والمناصب، فإنهم لا يعرفون أن الناس ليسوا بالسذاجة التي يظنون. كنا نعتقد حتى وقت قريب أن الدكتاتورية ونظام صدام هم الخطر الأكبر على مستقبل العراقيين، ثم اكتشفت أن لدينا سياسيين أو مدعي السياسة هم أشد فتكاً وخطراً.كنا نعتقد أن غياب الأمن ونقص الخدمات هي الخطر الداهم، ثم تبين أن الانفلات السياسي هو أخطر منها بمراحل.كنا نعتقد أن غياب الوعي السياسي هو أكبر خطر يهدد التجربة الديمقراطية. لكنا استيقظنا على مفاجأة أن بعض مدعي السياسة هم من يهدد التجربة الديمقراطية في العراق، نوع من الساسة مثل الوباء يعرف كيف يلف ويدور، ينافق على هذا ويشتم ذاك ويتلون بكل ألوان الطيف، فيا أيها السادة يا من صدعتم رؤوسنا بنظرية زوال عصر الانقلابات.. من واجبي أن أصارحكم بأنكم ساهمتم وتساهمون في تدمير حياتنا وفي إفسادها وتسميمها.
العمود الثامن: يا من أفسدتم حياتنا
نشر في: 31 أكتوبر, 2011: 11:20 م