حازم مبيضينمؤكد أن المصريين حين ثاروا على رئيسهم حسني مبارك, لم يكونوا يحلمون بأن يعيد التاريخ نفسه, ليجدوا أنفسهم في ظل حكم رئيس قادم من المؤسسة العسكرية, ومؤكد أن المصريين يحترمون حتى اليوم رئيس المجلس العسكري الأعلى المشير طنطاوي, لكنهم يفضلون الاستمرار في ذلك من خلال تسليمه موقع رئاسة الجمهورية لمن تختاره الجماهير, دون أن يورط نفسه بالترشح للمنصب, أو أن يسمح لآخرين بتوريطه, ذلك أنه في حال نجاحه سيتهم بالتزوير, قبل اتهامه بالتآمر على رئيسه السابق سعياً للحلول محله, وفي حال الفشل فانه سيختتم حياته العسكرية المشرفة بهزيمة مؤلمة, وسيمحو من ذاكرة المصريين كل أثر لمواقفه إبان الأيام الأخيرة لمبارك.
ليستكمل الرجل مجده عليه الابتعاد بالجيش عن السياسة, ليؤسس لدولة مدنية, الكلمة فيها للشعب الذي سيحفظ له ذلك في وجدانه, وليبدد المخاوف التي باتت مشروعة من أن الجيش يعمل من وراء ستار لاختطاف الثورة، التي دفع المصريون من دم أبنائهم لتنجح, أما المنشورات والملصقات التي تحمل صورة طنطاوي, والتي ظهرت في شوارع القاهرة والإسكندرية بعد يوم واحد من إدلاء التونسيين بأصواتهم في أول انتخابات حرة في ربيع الثورات العربية, فاننا نأمل أن لاتكون بالون اختبار, وأن لاتعزز المخاوف من أن القادة العسكريين الذين ملؤوا الفراغ بعد سقوط مبارك ينوون البقاء في السلطة.مجموعة الذين يطلقون على أنفسهم اسم مصر فوق الجميع, وبقومون بإلصاق الصور والمنشورات على جدران وشوارع المدن المصرية, وينوون جمع مليون توقيع لإقناع المشير طنطاوي بخوض انتخابات الرئاسة, كما يعلن منسق هذه الحملة, لايريدون الخير لا للمشير ولا لمصر, ولو ادعوا غير ذلك, وليس بعيداً أن يكونوا من فلول حزب مبارك ويسعون لخلط الأوراق وضرب علاقة الجيش بالسياسيين والثوار والشارع في آن معاً,وحملتهم التي يمكن ببساطة وصفها بالرخيصة, تجدد الهواجس من أن المجلس العسكري, يسعى من خلال الدفع بطنطاوي لموقع الرئاسة, لتأمين مصالحه على المدى البعيد بعد ستة عقود من الانفراد بحكم مصر، وذلك بأن يكون الرئيس القادم ذا خلفية عسكرية.ليس كافياً بعد هذا التطور, أن ينفى المجلس الأعلى أي نية له لدعم مرشح بعينه في الانتخابات الرئاسية, ونأمل أن لايكون ظهور المشير طنطاوي بملابس مدنية في شوارع القاهرة الشهر الماضي, وظهوره بعدها بأسبوع في افتتاح ثلاثة مصانع، مؤشراً على أن العسكر يعكفون على إعداده لسباق الرئاسة, وللرجل من تاريخه ما يجب أن يمنعه من خوض هذه المغامرة التي لن تضيف لرصيده شيئاً, خاصة وهو في هذه المرحلة المتقدمة من العمر, ولعل من المناسب تذكيره بالمأثرة التي اجترحها المشير السوداني عبد الرحمن سوار الذهب, حين امتنع عن الترشح لمنصب الرئاسة, بعد الفترة الانتقالية التي حكم فيها السودان, عقب سقوط نظام النميري, وتفرغ للدعوة, فحظي باحترام شعبه, وبمنزلة في التاريخ, لاتدانيها منزلة أي رئيس حكم تلك البلاد.نحترم تاريخ المشير طنطاوي, ونتمنى أن لايختتمه بما يسيئ لصورته, وبما يدخل مصر في دوامة خرجت منها للتو, وأن يكون صاحب مأثرة الانتقال بالبلاد من حكم عسكري مستمر بغطاء مدني منذ أكثر من ستين عاماً, إلى حكم مدني, وإلى ترسيخ مبدأ تداول السلطة نزولاً عند رغبة الناخبين.
في الحدث: الـمـشـيــر طـنـطــاوي ورئـاسـة مـصـر
نشر في: 29 أكتوبر, 2011: 07:19 م