بغداد/ مصطفى حبيب صحيح أن استحداث "المجلس الوطني للسياسات الإستراتيجية" لعب دوراً حاسماً في تشكيل الحكومة ونزع فتيل أزمة كبرى بين أياد علاوي ونوري المالكي، لكن هذا المنصب المثير للجدل وضع البلاد في أزمات أكبر تبدو اليوم عصيّة على الحلّ.
إعلان علاوي المفاجئ في 6 الشهر الجاري تخليه عن ترؤس مجلس السياسات فتح العملية السياسية على الاحتمالات كافة، بنظر مراقبين. فأعضاء من القائمة العراقية بزعامة علاوي وصفوا تنازل الأخير عن ترؤس المجلس بالقرار "الصائب"، فالمجلس الذي كان من المقرر تشكيله منذ شهور لم ير النور حتى اللحظة، وهو يخضع للتسويف والتأجيل والتعديل والرفض والاعتراض، وهي مؤشرات توحي للجميع بغياب الإرادة السياسية. تقول المتحدثة باسم العراقية ميسون الدملوجي في حديث لـ "نقاش": "فقدنا الأمل من إمكانية حل الخلافات مع دولة القانون"، وتضيف إن "دولة القانون تواصل عملية المراوغة وتقوم بتمييع الاتفاقات وإخضاعها للتأجيل وهو أمر لن نسكت عليه إلى الأبد". تعود قصة مجلس السياسات الى فترة المفاوضات على تشكيل الحكومة الحالية وتحديدا عقب الانتخابات التشريعية التي جرت في آذار من العام الماضي، وأفضت الى فوز العراقية بـ (91) مقعدا وخلفها ائتلاف دولة القانون بـ (89) مقعدا.إصرار كلتا الكتلتين على ترؤس الحكومة استمر لنحو ثمانية شهور، تعطل خلالها البرلمان والعمل الحكومي، ليفضي في النهاية الى تسوية اتضحت ملامحها في أواخر العام 2010 أُستحدث بموجبها منصب جديد لعلاوي لا يقل أهمية عن الرئاسات الثلاث (الجمهورية، رئاسة الوزراء والبرلمان) في مقابل تخليه عن رئاسة الحكومة لغريمه المالكي.وينص مشروع قانون مجلس السياسات على أن دوره هو "المساهمة الفاعلة في حلّ الخلافات التي تعترض العملية السياسية في العراق والخطوط العامة للسياسات العليا للدولة، وتقديم التوصيات والمقترحات بشأن التشريعات والقوانين، وإصلاح النظام القضائي وفق السياقات الدستورية، وتقديم المقترحات الخاصة بتشريعات القوانين المهمة وفق السياقات الدستورية، ومناقشة الاتفاقيات والمعاهدات الإستراتيجية المرتبطة بالأمن والدفاع وسيادة البلاد وإبداء الرأي بشأنها، وتقديم مقترحات لتعديل القوانين النافذة وعلى الأخص الصادرة عن مجلس قيادة الثورة المنحل".وتشتمل عضوية المجلس على رئيس الجمهورية ونوابه ورئيس مجلس الوزراء ونوابه ورئيس البرلمان ونائبيه ورئيس إقليم كردستان ورئيس مجلس القضاء الأعلى وعضوين من كل من الكتل الرئيسة الأربع. العراقية أعلنت بعد قرار رئيسها المفاجئ أن تنازل علاوي عن المنصب لا يعني تنازل الكتلة عنه وأنه جزء من استحقاقها الانتخابي، لكن تطبيق ذلك عمليا يبدو صعبا، في ظل غياب بديل آخر يحظى بالقبول داخل مكونات العراقية (التي تواجه مخاطر الانشقاقات المتوالية) من جهة وبين باقي الكتل السياسية من جهة ثانية.ويشكك مراقبون في امكانية تشكيل مجلس السياسات بعد تخلي علاوي عن رئاسته، فالموقع استحدث خصيصا له بموجب اتفاقات أربيل المكتوبة. ويقول النائب عن دولة القانون محمد الصيهود لـ "نقاش" إن "انسحاب علاوي من المطالبة برئاسة مجلس السياسات يعني انتفاء الحاجة الى تشكيله، لأن تشكيله سيعارض اتفاقات اربيل التي أعطت المنصب لعلاوي". ويدعو الصيهود باقي أعضاء كتلة العراقية إلى عدم الإصرار على تشكيل المجلس "الذي يراد منه تعطيل العمل الحكومي". ويرى الصيهود أن انسحاب كتلة العراقية قبل أيام من إحدى جلسات البرلمان لعدم وضع مشروع قانون مجلس السياسات على جدول الاعمال، "يؤكد سعيها للمحافظة على المنصب، ورغبتها في استخدامه لتعطيل هذا العمل". من جهة ثانية يرى آخرون أن تنازل علاوي عن المنصب من شأنه أن يخل بتوازنات دقيقة في توزيع المناصب الحكومية وفق الاستحقاقات الانتخابية. فمن المعلوم أن توزيع المناصب في العراق بعد سقوط نظام صدام العام 2003 خضع لنظام النقاط باحتساب المقاعد البرلمانية التي تحصل عليها كل كتلة سياسية واعطاء كل منصب سياسي عددا من النقاط، كحصة ترضيه ولا تضر بشركائه. وفي الحكومة الحالية جرى احتساب نقطة واحدة لكل (2.24) مقعد، وفقا لتقارير صحفية، فيما أعطيت لكل من الرئاسات الثلاث 10 نقاط و5 نقاط للنائبين، أما الوزارات السيادية فقيمتها 3 نقاط والخدمية الاولى نقطتان، والخدمية التي تليها نقطة ونصف النقطة، ووزارات الدولة نقطة واحدة، فيما أعطي مجلس السياسات ثماني نقاط بحسب تصريحات سابقة لقياديين من العراقية، أثرت على حصة القائمة من المناصب.ويلفت عضو العراقية النائب أركان أرشد في حديث الى "نقاش" إلى أن "مجلس السياسات استحقاق انتخابي وليس هدية جاءتنا من قبل الكتل السياسية كي نتنازل عنه بسهولة". ويضيف أن "عدم تشكيل مجلس السياسات يعني اخلال المعادلة الانتخابية". ويشير النائب إلى أحاديث تدور وراء الكواليس، تفيد بأن كتلة دولة القانون سترفع تحفظاتها على تشكيل مجلس السياسات بعد تخلي
المجلس الوطني لـ«الأزمات» الإستراتيجية

نشر في: 21 أكتوبر, 2011: 07:38 م









