وديع غزوان كانت وحدها تهتف بأعلى صوتها " إخوان سنة وشيعة هذا الوطن ما نبيعه " بعد أن اتخذت موقعها في ركن منزو تحت نصب الحرية في ساحة التحرير.. لم يكن يميزها شيء غير كبر سنها و وقفتها وحيدة بثياب بسيطة ورثة ووجه باد عليه تعب وقهر سنوات خلت. اتجهت نحوها بعد أن رأيت فيها كل هذا الإصرار متجاوزة مرارات السنين وقهرها، وقلت لها بكلمات بسيطة: أنت على العين والرأس، فقد بيضت وجهنا، و أعطيت نموذجاً لما يمكن أن تقدمه المرأة من دور ولمستوى الوعي الذي تمتلكه،
وصفعت كل من يحاول الإساءة إلى دور المرأة وعطائها.. توقفت لحظة ونظرت بعين الرضا ثم واصلت هتافاتها بعد أن تجمعت حولها نسوة أخريات وأخذت تردد أهازيج وشعارات كثيرة لم أستطع أن أدوّنها بسبب منع الداخلين إلى الساحة من حمل أي قلم ولكني حفظت إحداها التي تقول فيه " العراق يصيح باهله يامن يضمدله جرحه ".. بعد دقائق جاءت مجموعة تحمل مكبرات صوت على خلاف غيرها من التجمعات التي يتعرض أصحابها لتفتيش دقيق، فقالت إحدى النساء:انظر كيف يحاولون أن " يضيعوا صوت هذه المرأة لأنها صارت في هذه الجمعة عنواناً جديداً في الساحة لمستوى الظلم الذي لحق بنا نحن العراقيين "، فعلاً جاءت المجموعة وأحاطت بنا وبالمرأة، وأخذوا يرددون من مكبّر الصوت أناشيد عن العراق وعن بغداد شاركناهم الأنشودة، وسرنا معهم، لكن المرأة المتميزة التي أعياها تعب الوقوف وبدا عليها الإرهاق قالت " ولدي لاتبيعوا العراق وأنشدوا له بحرقة " ونزلت دموع من عينيها على خديها حاولت إخفاءها دون جدوى.. هنا قالت: أنا والله لاأبكي على مصيبتي وفقدي أولادي، لكني أبكي العراق كله. وأبكي حظنا الذي ضيع كل شيء.. كانت كلماتها البسيطة التي قالتها بعفوية تحمل أكثر من دليل إدانة على ما اقترفه بعض السياسيين من آثام وجرائم بحق العراق وشعبه بمختلف مكوناتهم، ولا نظننا نبالغ إذا قلنا بشكل جازم إنها وأمثالها لم يحضروا إلى الساحة من اجل شيء شخصي، وهذا ما أكدته إحدى المواظبات على المشاركة في التظاهرات عندما قالت: صدقونا ليس لنا من مطلب شخصي بل نحضر من اجل كل شباب العراق العاطلين ومن أجل كل مظلوم.. نأتي لنقول للسياسيين: كفاكم شعارات ومزايدات فقد ذبحتم حلم ملايين العراقيين.. لاأملك وأنا أشارك هذه المرأة ومن تجمعن حولها مشاعر الحزن على ما حل بنا , إلا أن أدعو الله أن يمنح هذه النسوة الصحة والقوة ليحضرن كل جمعة ، فقد منحن الجمعة معنى آخر أسمى وأكبر عندما "رفضن القعود مع القواعد "، معنى أكدن فيه كم هي العراقية عظيمة، فلها كل التحية والإجلال.
كردستانيات : امرأة فـي التحرير
نشر في: 14 أكتوبر, 2011: 09:11 م