علي حسينعلينا أن نعترف أن رئيس برلماننا أسامة النجيفي يتمتع بحسّ كوميدي لا بأس به، صحيح أن كوميدياه تتحول إلى مأساة في أوقات كثيرة لكنها في النهاية مضحكة حتى ولو ذرفنا الدموع ونحن نشاهدها.
قبل مئة يوم من هذا التاريخ حاول رئيس البرلمان تمرير مشروعه القاضي بإنشاء إقليم سنيّ معللا ذلك بالتهميش الذي تعاني منه مناطق السّنة في العراق، وبسبب ثورة الاعتراضات التي واجهت هذا التصريح فقد سحب النجيفي مشروعه مؤقتا، سبب التراجع كما قال كثيرون هو أن أهالي الأنبار ونينوى وصلاح الدين انزعجوا من كلامه هذا ، والمعنى أن النجيفي قدم مشروعه دون أن يستشير أحداً من سكان هذه المحافظات. حديث النجيفي آنذاك اثبت بالدليل أن بعض ساستنا إنما يمارسون غسيلا قذرا لأدمغة الناس البسطاء فهم يرفعون أيديهم في الفضائيات غضبا على مصالح البسطاء، لكنهم في الواقع يسعون إلى بث الفرقة والتطرف بدلا من نشر التسامح والمحبة، فالقلق الذي أبداه النجيفي على حال بعض المحافظات إنما هو قلق مخاتل وكاذب وشعارات اكتشف الناس زيفها، طبعا رئيس البرلمان لم يكن وحده من المنادين بإقامة الأقاليم على أساس طائفي، فقد جرت اجتماعات ومفاوضات بين سياسيين وجدوا في لعبة الأقاليم منفذا جديدا للربح والمتاجرة بقضايا الناس، وهؤلاء للأسف لا يدركون أن الكارثة التي يمر بها الوطن هذه الأيام أكبر من أي مماحكات ومناوشات بين ساستنا المبجلين، فليس من المعقول أن نعرض مستقبل البلاد للخطر لمجرد أن النجيفي يريد أن يصبح فخامة الرئيس، أو أن المالكي لا يريد أن يشاركه احد في حكم العراق، الكثير من ساستنا يكرهون بعضهم البعض، لكنهم أدمنوا سياسة الأحضان والقبلات أمام وسائل الإعلام. بدءا من أصغر سياسي ونهاية برؤساء الكتل، غالبية أبطال مسرحية الأحضان المسمومة يدركون أن جزءا كبيرا من المواطنين البسطاء لا تصلهم هذه الرسالة، لأنها لو كانت قد وصلتهم فعلا لما وجدنا هذه الألغام التي تنفجر كل يوم من بغداد إلى الأنبار إلى البصرة وديالى. اليوم يعيد رئيس البرلمان فصول مسرحيته الكوميدية ولكن باسم جديد فقد اقترح أن تستبدل الأقاليم الطائفية بأقاليم جغرافية والسبب هذه المرة حسب قوله "إن السّنة في العراق يشعرون أنهم مواطنون من الدرجة الثانية"، طبعا النجيفي فاته أن يدرك إن جميع أبناء الشعب باستثناء السياسيين وأقاربهم ومعارفهم هم مواطنون من الدرجة العاشرة، وان الظلم وقع على العراقيين جميعا بكل أطيافهم، فلا فرق بين معاناة عائلة من البصرة وأخرى من الموصل، وان نقص الخدمات والفساد وسرقة المال العام والرشوة والانتهازية والقتل المجاني لم يفرق بين شيعي وسني، وان طيش ونزق سياسيي الفضائيات والأزمات توزع على الجميع بلا استثناء. السيد النجيفي الفصل الجديد من مسرحيتك الكوميدية لا يختلف عن فصول كثيرة أخرى سبقته، فصول شاهدنا فيها على مسرح السياسة طبقة جديدة من الانتهازيين والمزورين وسارقي المال العام، طبقة سيطرت على موارد الدولة ومدت يدها في كل مكان.. طبقة في يدها اليوم كل مشروعات الدولة التي تحقق عوائد سريعة، فيما ملايين العراقيين يعانون كل ألوان الفقر والجهل والمرض.طبقة سياسية سرقت من الناس فرحة الخلاص من صدام ودكتاتوريته فلم تكتمل فرحتهم بالتغيير، حيث أطل شبح غامض بدأ يتسرب في كواليس السياسة العراقية لينتهي بالصفقات الطائفية.السيد النجيفي فصول مسرحيتك صارت عبئا علينا، فالناس ملت الكذب والخديعة والانتهازية وطغيان التخلّف. السيد النجيفي ان اغماض العين عن الاشياء لا يعني انها غير موجودة، فقط انظر الى الخارطة لتعرف ان شرحك للجغرافية لا يفهمه احد.
العمود الثامن: الجغرافية عندما يشرحها النجيفي!
![](/wp-content/uploads/2024/01/bgdefualt.jpg)
نشر في: 15 أكتوبر, 2011: 09:35 م