د. سامي عبد الحميدمنذ أن شهد بلدنا نهضة مسرحية في الستينات والسبعينات من القرن العشرين جرب المخرجون الوانا شتى في اختياراتهم ومعالجاتهم فلم تقتصر عروضهم على موضوعة معينة أو على مدرسة معينة بل كان التنويع والتجديد شاغلهم وكانت مسرحية القصيدة أحد تلك الألوان.
أوائل السبعينات قام الراحل (قاسم محمد) بإعداد مسرحية لقصائد الشعراء الفلسطينيين توفيق زياد ومحمود درويش وعنوانها (أنا ضمير المتكلم) تناول فيها أوضاع الفلسطينيين تحت قهر الاحتلال الإسرائيلي وما آلت إليه الحربان 1956 و 1967 من خسارات واستلاب الأرض وبالتالي الدعوة إلى المقاومة حتى التحرير. وقام المخرج الراحل مرة أخرى بمسرحة قصائد لشعراء الحرب عن الأوضاع العربية وذلك أواخر السبعينات وقدمت فرقة المسرح الفني الحديث كلا المسرحيتين وعرضت الأولى في مهرجان دمشق للمسرح العربي. وفي أكاديمية الفنون الجميلة – قسم الفنون المسرحية قام طالب فلسطيني بمسرحة قصيدة محمود درويش (سجّل أنا عربي) وقدمها لمشروع تخرج لدراسة البكالوريوس. وفي المرحلة نفسها أعددت مسرحية عن سيرة الشعار الشعبي العراقي (الملا عبود الكرخي) اعتمدت بالدرجة الأولى على أشعاره ومنها قصيدته المشهورة (المجرشة). وقام مخرجون آخرون بمسرحة قصائد لشعراء آخرين نذكر منهم (غانم حميد) الذي مسرح قصائد للشاعر (عدنان الصائغ) تتعرض لأحوال العراقيين أيام الحرب مع إيران في الثمانينات وصاغ مشاهد مسرحيتين على شكل هذيانات عسكرية عراقي في لحظة إصابته بطلقات نارية في ساحة القتال وتقوده تلك الهذيانات لاستذكار وقائع وأحداث سابقة مرت بحياته مليئة بما هو حلو، وما هو مر ،وما هو مسرّ، وما هو محزن. ولا بد من القول بأن جميع تلك المحاولات التي قصد منها مسرحة الشعر لا تعتمد على أبيات القصيدة وحدها من غير تدخل الإضافات السردية الحوارية التي يبتكرها المعد أو المخرج المسرحي إذ تقتضي مسرحة القصيدة توفير جميع العناصر الدرامية في ذلك العمل. وتلك العناصر في اعتقادي تشمل (1) الشخصيات الايجابية والسلبية الـ ( مع) و (الضد)، (2) الفعل ورد الفعل المكونين للصراع الذي هو جوهر الدراما (3) الفكرة وتتضمن وجهة نظر الكاتب في القضية الحياتية التي يتناولها. وبالتأكيد فالقصيدة مهما كان نوعها وأسلوبها وبلاغتها تحمل فكرة معينة. ولكي تنفذ شخصيات الدراما أفعالها لا بد لها من استخدام وسيلة وهي: إما الحركة أو الكلام – الحوار وهنا تكمن صعوبة تحويل القصيدة الشعرية إلى مسرحية درامية وهي في الغالب تعتمد السرد والوصف. ولا بد من الإشارة إلى أن الفعل الدرامي يحدث في مكان وزمان معينين والقصيدة الشعرية قد تخلو من العنصرين. ولا بد أخيراً من أن نتساءل: لماذا مسرحة القصيدة؟ ما هي الضرورات التي تفرض القيام بتحويل القصيدة الشعرية إلى دراما مسرحية؟ مادام هناك صعوية في تحويل القصيدة إلى دراما وما دام هناك الآن النصوص المسرحية الشعرية والنثرية الموجودة على رفوف المكتبات وما دام هناك الآلاف من كتّاب المسرحية في بلادنا وفي البلاد الأخرى يقدمون يوميا نصوصا وصفية مبتكرة. فما الذي يدعو البعض إلى مسرحة القصيدة؟ وما دام للقصيدة قيمتها الفكرية والفنية والجمالية فما الداعي لتحوليها إلى دراما وما دام هناك عناصر درامية في عدد من القصائد الشعرية فما الداعي إلى تحويلها إلى مسرحية؟ ليس هناك إلا جواب واحد لكل تلك الأسئلة ألا وهو التطلع إلى التجديد والوصول إلى اللامألوف.
من المسرح الشعري إلى مسرحة الشعر
نشر في: 16 أكتوبر, 2011: 06:56 م