رياض النعمانيهم أنفسهم أيضا يشدّدون الخناق على بلد الرؤى ، وريادات الجمال ــ العراق ــ ثم يجدون لهذا الخناق مبرراًوطريقاً مؤذياً بسواد أعمق لا يُرى منه إلا ما هو أكثر سواداً وكراهية . ثمة اندفاع محموم غير مسبوق تقوم به وتشهره أطراف هذا المشروع التاريخي تركيا ــ إيران والذي أُريد له أن يكون إبادة للعراق ... وهذا القول ليس خيالا ولا رأيا يمكن أن يكون ناجماً عن تطرف ما أو شطحة تحليل تحمل الكثير من النزق والكراهية ، بل هو مخطط قال به وأعلنه كتابة ورأيا المستشار الأسبق للسياسة الأميركية هنري كيسنجر ..
ففي العقد الأخير من القرن الماضي قدّم هذا المستشار ــ ذو الميول الصهيونية الصارخة ــ نصيحته الشهيرة والتي تقول بضرورة إبادة العراق ــ ليس بعمل عسكري ــ بل بقطع مياه دجلة والفرات عنه، وذلك بأن تقوم تركيا ببناء عدد من السدود العملاقة يكون تمويلها سعوديا وكويتيا . في تلك الفترة لم يحرك ساكنا صدام حسين المشغول دائما بهموم الحفاظ على سلطته أكثر من وجود وكرامة وتاريخ وشرف ومستقبل وحياة العراق ونهريه العظيمين ، فقام الباحث العراقي الكبيرهادي العلوي بتشكيل لجنة الدفاع عن دجلة والفرات ،وكان يرى أن عليه استثمار كل ما يملك من علاقات عربية وأجنبية لهذا الغرض ،وكلفني حينها ــ كأحد أعضاء اللجنة ــ بكتابة نص غنائي عن عظمة النهرين يفضح أبعاد مشروع تصحير العراق وبيان خطورته المستقبلية على البلاد كي يكون هذا العمل الغنائي صوتا صميميا ينبغي أن يسمعمه الآخرون .. كتبت النص وبعثت به إلى ملحن عراقي كان يعيش خارج العراق وضاع النص أو لم يصل. كتب أبو الحسن العلوي العديد من المقالات العلمية المهمة التي تبين بـ ( الخرائط والوثائق) التي كانت الأمم المتحدة قد أصدرتها أن دجلة والفرات هما نهران عراقيان لأن المسافة التي يقطعانها في العراق هي المسافة الأطول . وفي سياق موقفه النهري هذا كان يقول : إن أنور السادات الخائن والمفرط بحقوق مصر وفلسطين وطني رائع بخصوص موقفه من نهر النيل حينما أعلن بأنه لايتردد لحظة ً عن شن حرب ٍ مصيرية إذا جرى تغيير مجرى النيل أو التلاعب بحصص مصر المائية منه ، لأن النيل هو مصر وكرامة مصر ووجود مصر ،وهذا كله ليس وجهة نظر .في ضوء هذا الموقف وهذين التأريخين ماذا يمكن أن نسمي صمت النظام العراقي الحالي عن سرقة مياه نهري دجلة والفرات؟! - لماذا لم تذهب السلطة الحالية إلى الأمم المتحدة لتعرض هناك هذه المشكلة التي تخص الحياة على أرض الرافدين ؟.- لم َ لم تقدم الحكومة شكوى إلى المحاكم والهيئات الدولية على الحكومتين التركية والسورية ؟ لكن هل لحكومة تهمل كل ما يتعلق بكرامة ووطنية ومستقبل بلدها كرامة لتستفزها كتابة أو خطاب أو نقد فتلتفت لترى هذه المشكلة .واليوم فإننا أمام خطر حقيقي لإفناء العراق ،أطرافه ليس فقط خصماه التاريخيان ــ تركيا وإيران - بل السعودية والكويت أيضا .تركيا وما تقوم به شمالاإيران وما تقوم به شرقا السعودية والكويت جنوبا وما تقومان به والاحتلال والحكومة وما يفعلان به واللصوص والفساد والخراب وما يحدثونه إن حكومة ترضى بهذا الموت الحقيقي في وطنها وشعبها بكواتم الصوت وفي عصابات الخطف والسلب والنهب والفساد وانعدام الخدمات والكهرباء والماء والمحروقات ،هل يمكن أن يُعوّل في قضية مصيرية كبرى كقضية النهرين ؟هل المسؤولون والسياسيون الذين يرتضون لأنفسهم أن يتواطأوا مع إيران التي لوثت مياه شط العرب وان يقطعوا عنه الأنهار ،وان يقبضوا من الكويت لقاء تواطئهم وصمتهم عن ميناء مبارك يستحقون غير أن يساقوا إلى المحاكم الكبرى بتهمة خيانة الوطن ؟ إننا أمام مشهد يعيد إنتاج مذبحة بغداد التاريخية واستمرار نزيفها بين عساكر الفرس والعثمانيين والتي تحدث عنها – الباحث والديبلوماسي " لونكرك " في كتابه الشهير " أربعة قرون من تاريخ العراق " ولكن هذه المرة بإصرار أمريكي وسعودي على أن يفنى العراق أو يتحول إلى شحاذ على أرصفة العالم .أيها العراقيون اخرجوا للدفاع عن ارض العر اق ومياهه وكرامته ووجوده .لاتتركوا شيئا إلا وتحملونه في هذا الاحتجاج الباسل الكبير ... وليس لغفلة وتقاعس أحد من عذر على الإطلاق.
يريدون إفناء العراق أو تحويله إلى شحّاذ على أرصفة العالم
نشر في: 16 أكتوبر, 2011: 07:10 م