د. سعد بن طفلة العجميsaad@alaan.cc كثيراً ما حدّثني كبار السن من الأهل والأقارب عن رحلاتهم غير القانونية من الكويت، ودخولهم العراق سرا للعمل فيها، فقد كانوا يدخلون العراق (تهريب) أو (قشق) كما يسمى باللهجة العراقية ولعلها أخذت من الكردية أو الفارسية. وتعني دخول بلد ما بشكل غير قانوني.
قصص الكبار ممن رحل معظمهم أنه في ثلاثينات القرن الماضي، كانت الكويت بلدا شحيحا بلا نفط وبلا موارد رزق كثيرة، فالنفط لم يكتشف بعد، وتجارة اللؤلؤ أصابها الكساد بعد اكتشاف اليابانيين اللؤلؤ الصناعي، والكساد الاقتصادي العالمي جعل التجارة الخارجية خاملة، وبالتالي قلت فرص العمل والعيش في الكويت. وكان العراق في ذلك الوقت قبلة للحالمين، ففيه الخير والزراعة والعمل والتطور والجامعات والملكية والبرلمان والأحزاب والديمقراطية على الرغم من أنه كان تحت الانتداب البريطاني. فكان بعض الكويتيين –ومنهم من قص لي شخصيا ذلك- يدخلون العراق قشق بحثا عن العمل هناك، وكان معظمهم يعمل أعمالا بسيطة في المزارع والحقول كحراس أو عمال يأخذون أجرهم يوميا. وطبعا، دارت الأيام، فجاء السيد "بترول" وانقلبت الأحوال، ولم يعد الكويتيون بحاجة إلى القشق نحو العراق بحثا عن لقمة العيش والرزق. لكن النفط لم يخرج في الكويت وحسب، فنفط العراق أكثر منه بكثير، ولكن مغامرات الدكتاتورية المبادة وحروبها العبثية، دمرت مقدرات العراق الغني، وحولته إلى دولة من دول العالم الثالث الفقير. أسوق قصة القشق الكويتي لأدلل على أن المستقبل للعراق لو أحسن إدارة خيراته، وأننا في الكويت ندرك أن النفط سينضب يوما، وأن مستقبل الإنسان عندنا يعتمد على مسألتين: الاستثمار بالإنسان في التعليم والاستثمار بالعلاقات الطيبة مع جيرانها. ففي الإنسان يمكن أن نفجّر الطاقات وأن نستثمر القدرات الذاتية، وفي العلاقات الحسنة مع الجيران يمكن أن نتبادل القدرات وأن نستفيد مما لديهم. لعل من النافل القول أن العراق بلد غني متعدد الثروات، وأنه بنضوب نفطه لن يتحول إلى بلد فقير شريطة حسن استغلال ثرواته، وجودة إدارة خيراته. نحن في الكويت- ولعلي لا أبالغ إن قلت في المنطقة الخليجية عموما- نعوّل على عراق مستقر، ولنا مصلحة مستقبلية حقيقية في عراق مزدهر ومتقدم يعيش رخاء اقتصاديا، ذلك أن الرخاء العراقي لن يقتصر على داخله، بل سيتعداه لأسباب براغماتية بحتة نحو محيطه، وهو ما نتمناه يوما في الكويت. البعض من الطرفين يظن أن عداء سرمديا سيبقى بين الكويت والعراق، وهم محقون في ذلك إن بقي العراق يراوح في أتون لغة الضم وثقافة الغزو والحروب، وهم محقون إن بقيت الكويت تحصر العراق بفترة صدام المبادة، وتنظر على أن كل عراق المستقبل "صدامي" بالنتيجة. لا مناص من التطلع نحو الأفضل، وعراق الاستقرار والازدهار إن تحقق، هو خير للكويت قبل أي بلد آخر. كاتب وأكاديمي كويتي
جسر: القشق نحو العراق
نشر في: 15 أكتوبر, 2011: 06:09 م