TOP

جريدة المدى > مقالات واعمدة ارشيف > سلاما ياعراق :شجعان

سلاما ياعراق :شجعان

نشر في: 22 نوفمبر, 2011: 09:15 م

 هاشم العقابيأكثر ما يستوقفني ويعجبني ايضا في المصريين هو شجاعتهم. والشجاعة لا اقصد بها ذلك المعنى التقليدي  الذي ترسخ في أذهان وعقول الكثيرين من العرب. فصدام مثلا، يصفونه شجاعا. وكذلك قد يصفون من يضرب زوجته أو يهاجم الآخرين بدون رحمة، كالبلطجية أو "الشقاوات"، كما نسميهم بالعراق،. اما شجاعة المصريين فهي من نوع آخر.
صحيح أنهم، كغيرهم من باقي الشعوب العربية، قد حكموا بالطغيان والاستبداد. لكن طغاتهم ليسوا كباقي الطغاة العرب. فعبد الناصر، الذي يشار له على انه أول مستبد عربي في زمن ظهور الجمهوريات العربية، لم يفعل الذي فعله صدام أو القذافي أو الأسد. فهو لم يذل شعبه بالمجازر والمقابر الجماعية بل على العكس كان هو اول من زودهم بجرعة الشجاعة. كان الرجل يردد لا بل يصيح دائما: "ارفع رأسك انك مصري".استقيظت صباح اليوم على اصوات طبول وحناجر صافية أدمعت عيني شجاعتها. ما اجملها من حناجر ذكرتني بهادي المهدي الذي تخيلت صوته مع اصوات الهاتفين والسائرين نحو ميدان التحرير. قلت لنفسي لو كان هذا الهادي حيا فلا اظن ان سلاسل الدنيا كلها تستطيع منعه من ان يزحف مع هؤلاء الشجعان.كنت مثل كثير من المصريين، ولحد امس، لا أعرف ماذا يريد هؤلاء المتظاهرون بالضبط. وذلك ما دفعني لكتابة عمود الأمس (شيردون؟). فلقد كانت التظاهرات عفوية خالية حتى من اللافتات والشعارات. اغلبها صدامات بين الشرطة والمتظاهرين بهجمات يغلب عليها الكر والفر. وتعالت اصوات هنا وهناك بان المتظاهرين ينقصهم الوعي على خلاف التظاهرات السابقة التي ادت الى سقوط مبارك. وفجأة قرر طلاب الجامعات ان يزحفوا نحو ميدان التحرير فتغلب الوعي الشبابي ووضحت المطالب وحددت الشعارات.  وهذه هي الشجاعة التي جاء في بعض من معانيها انها: "الإقدام على الأمور النافعة تحصيلاً و على الأمور السيئة دفعاً".والشجاعة لم تقتصر ملامحها  في تحدي المتظاهرين للرصاص والقنابل المسيلة للدموع، فقط، بل تجدها في عقول وضمائر الكثير من السياسيين وقادة الرأي. فإقدام رئيس الوزراء على تقديم استقالة حكومته، شجاعة. واستعداد محمد البرادعي لقبول رئاسة الحكومة الانتقالية في هذا الظرف، شجاعة أيضا.  وظهور مثقفي مصر لانتقاد المتطرفين والظلاميين والقادة والجنرالات العسكريين بالاسماء، شجاعة. فلا رمز ولا عمامة ولا حزب أو طرف مقدس غير الوطن وأرواح الناس ومستقبل مصر.لا انكر ان الخوف على مستقبل مصر والمصريين قد تملكني في اول يوم للاعتصام خاصة بعد سقوط القتلى وغياب وضوح المطالب. وخوفي يبرره سببان. الاول هو اني احب هذا البلد وناسه. والثاني هو خوفي ألا يصيبهم كما اصابنا، نحن العراقيين، بعد الخلاص من الدكتاتورية لنجد انفسنا نغرق في مستنقع الفوضى والحروب الاهلية والارهاب والحرمان والاستبداد من جديد.لكن خوفي حولته شجاعتهم الى امل بعودة الربيع من جديد الى مصر. وعقبالنا يا رب.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

حياتي وموت علي طالب

حياتي وموت علي طالب

غادة العاملي في لحظة تزامنت فيها الحياة مع الموت استعدت ذكريات عشر سنوات ،أو أكثر .. أختصرها الآن في ذاكرتي بالأشهر الثلاثة الأخيرة. حينما اتفقنا أناقرر هو أن يسافر ملبيا الدعوة التي انتظرها لأكثر...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram