علي حسن الفواز فالحديث الساخن عن إقامة (الأقاليم) في المحافظات، فتح بابا للحديث عن القراءات المتعددة للدستور، وكيف يفهم ويفسّر ويؤل الفرقاء السياسيون فقرات الدستور العراقي، وأحسب أن هذا (الباب السياسي)في أصدق تجلياته، سيقودنا إلى متاهة من الأبواب، لان سوسيولوجيا هذه الأبواب مرتبطة بسوسيولوجيا النوايا التي يحملها هذا الطرف أو ذاك.
إزاء هذا المعطى تبدو الصورة قاتمة، وباعثة على(صناعة)مجموعة من الأزمات التي يمكن أن تعرقل سيرورة الدولة العراقية في مرحلة ما بعد الاحتلال الأميركي، وأظن أن هذا الأمر محسوب في أجندات بعض القوى المحلية والإقليمية والدولية، ليس للتعبير عن رفض هذا الانسحاب في ظل معطيات دولية قلقة، وفي ظل صراعات عربية مفتوحة على المجهول، وإنما للتعبير عن رفض شكل الدولة الجديدة بكل سماتها وملامحهما وطبيعة قواها المتنوعة والمتعددة التي تنتمي إلى ثقافات ومرجعيات كانت خارجة عن تاريخية الدولة العراقية منذ نشوئها عام 1921. فكيف يمكن مواجهة عاصفة الأزمة القادمة؟ وكيف لنا أن نخلق واقعا دستوريا يمكن للجميع الركون إليه بعيدا عن الاجتهادات والنوايا؟ وكيف يمكن الدفاع عن مشروع الدولة الجديد، وإنقاذها من أمراضها الطارئة والمتوطنة أحيانا؟ وكيف يمكن البحث عن السياقات الصحيحة قانونيا وإنسانيا لوضع الجميع أمام حقوقهم وأمام واجباتهم، وتجاوز عقدة الدولة الفاشلة؟هذه الأسئلة وغيرها ستكون عناوين كبرى في المرحلة القادمة، خاصة وان الجميع يتحدث عن أزمة حقوقية، وأزمة قانونية، وهناك من يضع هذه الأزمات بمستوى جزء من الأسباب التي تنتج التعقيدات الأمنية والصراعات بين الفرقاء السياسيين.الدستور وثقافة الدستورالتعاطي مع دستور جديد اختلف حوله الكثيرون، لكنه اقرّ بأغلبية شعبية،وإنه يشكل عقدة فهم عند البعض، وعقدة تطبيق عند البعض الآخر، وهذه العقد تحتاج بالضرورة إلى وقفات والى معالجات، مثلما تحتاج إلى(تمرين أنساني)بالوطنية والإيثار، لان جوهر هذا الدستور يقوم على الحقوق التي غيّبها النظام السابق، مثلما تقوم على أنسنة فكرة الوحدة الوطنية، ومابين الحقوق والوحدة الوطنية قد تبرز الكثير من المشاكل، والتي تفترض هي الأخرى معالجات حقوقية/قانونية ووطنية وإنسانية، وبالشكل الذي يعزز قيمة الحقوق، ويحافظ على الوحدة الإنسانية في الوطن السياسي والجغرافي، لذا لا أجد مبررا لتضخيم الأمور، والحديث بلغة من يسبق من؟ أو من يعيد الكرة إلى ملعب الآخر، في الوقت الذي نرى ما حولنا من أزمات عالمية اقتصادية وسياسية والتي سببها سوء الإدارة، مثلما هو سببها الكامن في العقل الرأسمالي أساسا، والذي بدأت تنهار تحت إيقاعه حكومات، وكبرت في ظل تداعياته أزمات، عبّر عنها الجمهور الغاضب بـ(احتلوا وول ستريت الأميركية، وغيرها من المدن الأوروبية الأخرى)، فضلا عن الأزمات العربية التي ترتبط أيضا بتاريخ الدكتاتوريات، وصناعة الجوع والاستبداد، والذي يمكن إعادة صناعاته في ظل صعود قوى جديدة لا تؤمن أساسا بالديمقراطية ولا بالتنوع والتعدد، والتداول السلمي للسلطة..لذا من يضع قوة الدستور العراقي في سياقه القانوني، والتفسيري القابل لإفهام الجميع؟ ومن يعزز سعة هذا الإفهام وسط(لخبطة سياسية) محشوة بالنوايا، وسوء التدبر؟ أحسب أن المرحلة القادمة تحتاج إلى ما يمكن تسميته بـ(ثقافة الدستور)، والتي يمكن أن تدفع باتجاه خلق تيار ضاغط يدفع باتجاه صيانة هذا الدستور من القراءات المضللة، ويعزز الوعي الحقوقي للجميع بدءاً من المواطن البسيط، وانتهاء بالسياسي التنفيذي الذي يحكم والسياسي البرلماني الذي يشرعن.الثقافي السياسي.. القراءات المتبادلة البعض يحاول للأسف أن ينأى بالثقافي في سياقه الإجرائي والإنساني بعيدا عن السياسي الذي يمثل المنظومة الحاكمة، وأن يرسم صورة غائمة لهذا الثقافي الحالم والمتمرد في سياقه اللغوي والشعوري فقط، وربما يضع بالمقابل السياسي في إطار صورة أخرى أكثر سوداوية وأكثر شحوبا وأكثر تعبيرا عن القسوة والمهيمن. أحسب أن هذه الثنائية ستظل بحاجة إلى إعادة قراءة دائما، وإعادة توصيف في ظل معطيات تاريخية ثقافية وسياسية دائمة التغيير، وخاضعة لمزاج الكثيرين من أصحاب هذه الأجندة أو تلك.السؤال الجوهر في هذا السياق يستدعي بالضرورة الحاجة إلى تحديد مسميات واضحة للسياسي والثقافي، وأي منهما يملك الفاعلية الحقيقية في الإجابة على هذه الأسئلة.ما تعيشه الحالة العراقية اليوم تعكس مسؤولية إدراك أسرار هذه الحالة أولاً، وطبيعة التعاطي معها ثانيا، والكيفية التي يمكن من خلالها مواجهة ما تتركه من تحديات خطيرة على الواقع الاجتماعي والسياسي، وربما يكون التأثير أكثر خطورة على مستقبل المشروع السياسي الديمقراطي للدولة الجديدة.إزاء هذا نجد أن الحاجة باتت متلازمة للدور الثقافي في سياقه العضوي الذي ينبغي أن يسهم في رسم مسارات الوعي الإنساني، وفي إشاعة ثقافة(تعرّف)، ورسم ادوار أكثر فاعلية لهذه الممارسة(الأخلاقية والمعرفية والوطنية) لكي يكون قادرا على(صناعة مواطن الدولة) وعلى تعضيد بنية الدولة كمؤسسات، ومسار تحولاتها الاجتماعية والمعرفية، لأن الثقافي سيكون هنا هو المصدر والوسيلة اللذين يعززان كل ما هو تنظيمي ولوجستي في تأمين ثقة ال
الدولة العراقيّة..عقدة قراءة الدستور وعقدة النموذج الغائب
نشر في: 19 نوفمبر, 2011: 06:28 م