شاكر الأنباريأن يعقد مؤتمر يكرس للرواية العراقية فهذا -بحد ذاته- إنجاز، يحسب للقائمين على المؤتمر، والداعمين له، وقد وقف خلف الإعداد، والتنفيذ، كل من جامعة البصرة واتحاد الأدباء والكتاب في البصرة والحكومة المحلية. وعلى مدار يومين (6-7/10 )،
كان للرواية العراقية حضور متنوع سواء كدراسات حولها أو شهادات عدد من كتابها، لا سيما إن انقطاعا كبيرا ساد في العقد الأخير بين الكتاب أنفسهم والنقاد أيضا. حمل المؤتمر اسم الروائي الراحل مهدي عيسى الصقر، وشارك في الجلسات روائيون ونقاد من أغلب محافظات العراق، وفاق عدد المشاركين السبعين مشاركا، وعقد معظم الفعاليات على قاعة عتبة بن غزوان وسط البصرة، وكذلك في جامعة البصرة.كانت محاور المؤتمر تخص الفضاء في الرواية العراقية ،وقرأ الورقة ياسين النصير،  ورؤية العالم من موقع الهامش للناقد عباس عبد جاسم، وسلط الدكتور جاسم محمد جاسم الضوء على الأدب الرقمي بين رهان التخييل وسلطة التكنولوجيا. الناقد بشير حاجم قدم ورقة عن بروستية الرواية العراقية، البنية والتقنية والجمالية في نماذج العقد الأخير. وعلوان السلمان كتب عن الميتا سرد في الرواية العراقية سيرة ظل أنموذجاً، وجاءت ورقة الأستاذ فاضل ثامر عن رواية الغائب لمهدي عيسى الصقر. هذه نماذج من الأوراق النقدية التي قدمت، وهي كثيرة، لعل أبرزها ورقة محمود عبد الوهاب عن تجربة مهدي عيسى الصقر وحياته، بينما قدم عدد من الأدباء شهادات حول تجاربهم الروائية ، كجمعة اللامي وأحمد خلف وسعدي المالح وحميد المختار وشاكر الانباري  وعبد الرزاق المطلبي ولؤي حمزة عباس وجهاد مجيد  وآخرين. وقد خرج المؤتمر ببيان ختامي قرأه الناقد باقر جاسم محمد، وأشار إلى إمكانية إقامة مهرجانات قادمة للرواية العراقية بشكل سنوي. كما منح القاص محمود عبد الوهاب قلم الإبداع الذهبي تقديراً لتجربته في كتابة السرد، وكرم أيضا جمعة اللامي ولطفية الدليمي التي لم تتمكن من حضور المؤتمر وأحمد خلف، فيما وزعت شهادات تقديرية على المشاركين كلهم. أهمية هذا المؤتمر تكمن في جمع هذا العدد الكبير من الروائيين والنقاد، وطرح إشكالات الرواية العراقية خاصة بعد ألفين وثلاثة، وما صاحب هذه الحقبة من تغييرات بنيوية على المجتمع العراقي وحركة الكتابة ذاتها. وهو أيضا مساهمة جادة في تفعيل جزء مهم من الثقافة الوطنية العراقية، القافزة على التصنيفات الطائفية والعرقية السائدة بشكل صارخ هذه الأيام. ومع تفهم المراقب الظروف المادية التي رافقت الحدث، وكانت ربما سببا في عدم دعوة الروائيين العراقيين الذين يعيشون في المنافي، إلا أن اقتصار المشاركات على الداخل العراقي خلخل اللوحة البانورامية التي يفترض أن ترسم لخارطة الرواية. فهناك تجارب مهمة لكتّاب في المنفى، كتجربة نجم والي وجنان جاسم حلاوي وسلام إبراهيم ومحمود سعيد وفاضل العزاوي وسلام عبود وحمزة الحسن وميسلون هادي وهدية حسين، وغيرهم العشرات من الروائيين الذين اضافوا لتيار الرواية العراقية اضافات جادة وحقيقية. ولمس أيضا ضعف مشاركة روائيين كرد ممن كتبوا بالعربية أو ترجمت أعمالهم إليها، الأمر الذي حرم الحاضرين من بصمات أخرى لفضاء الرواية العراقية.وكان من الملاحظ في أغلب الدراسات التي قدمت أنها لم ترتق بنقدها وأبحاثها إلى مستوى صياغة رؤية شاملة لعالم الرواية العراقية، إذ جاء بعضها على شكل قراءات في رواية واحدة. وهذا ما أعطى انطباعاً بالكسل لدى عدد غير قليل من البحوث، ونحن ندرك بأن العبرة في تقديم بحث في هكذا سياق ينبغي أن يكون متابعا للتجارب كلها، وهي تجارب حدثت عليها تغييرات شاملة في التعامل مع الواقع العراقي. كما افتقدنا شهادة واحد من أعمدة السرد العراقي، حول تعامله مع النصوص الجديدة، كان يمكن أن تغني وتعلم جيلا مثّل لهم محمد خضير أيقونة كتابية على المستويات كلها. وهذه الملاحظات بالتأكيد لا تقلل من أهمية المؤتمر، ولا من الجهود الرائعة في التنسيق والتنظيم والحوارات. وهي بالتأكيد يمكن تلافيها في دورات قادمة، خاصة وان الرواية العراقية أصبحت التاريخ الحقيقي لحركة المجتمع، بعد التغيير، نظراً للحرية الشاسعة التي يعيشها الروائي في التعامل مع شخوصه ومادته الخام.