TOP

جريدة المدى > المدى الثقافي > مداخلات عن (حزن الثقافةالمرير)5-2..الثقافة تعمل دائماً من داخل السلطة المهيمنة

مداخلات عن (حزن الثقافةالمرير)5-2..الثقافة تعمل دائماً من داخل السلطة المهيمنة

نشر في: 23 ديسمبر, 2011: 05:38 م

أ د. نجم عبدالله كاظمبعد شكري للقسم الثقافي الذي أتاح لنا هذا اللقاء، وللشاعر ياسين طه حافظ على ورقته (حزن الثقافة المرير)، أود أن أشير إلى أنني كوني لست سياسياً ولا محللاً سياسياً ولا حتى معنياً بالسياسة، سأعنى بها هنا بوصفها انشغالاً ثقافياً أو مثقفياً،
 إن صح التعبير، وتعلقاً بذلك ستقوم ملاحظاتي، بعبارة أخرى، على الثقافة والمثقف ولاسيما العراقيين، وستكون على علاقة غالباً بمحتوى كتابي الذي صدر بداية هذا العام هومسيك.. الوطن في غبار المبدعين، والذي هو عبارة عن وجهات نظر خاصة بما رأيته سلبيا من المثقفين العراقيين تجاه ما حدث ويحدث للعراق. فتواصلاً مع بعض ما طرحته في هذا الكتاب، وفي ضوء قراءتي للورقة المعنية تأتي ملاحظاتي الآتية:الملاحظة الأولى: يُقال في علم النفس إنك إن أردت أن تغادر عادةً أو سلوكاً أو عيباً أو سلبيةً أو خطأً ما فيك فعليك أن تمر بثلاث خطوات هي: أولاً أن تشخص هذا العيب أو السلبية أو الخطأ، وكل ذلك يكون بالطبع، وكما هو واضح، ضمن نقدك للذات. وثانياً أنْ تقرر، بعد الاقتناع بأن المشخَّص عيب، أن تغادره وتنبذه أو تستبدله بالبديل المناقض. وثالثاً أن تُقدِم على الفعل، بعد ذلك وبعد التسلح بالأدوات بالطبع، بإصرار وبدون تردد.والآن أعتقد أننا إذ نجد الورقة التي أمامنا تشتمل على الخطوة الأولى إلى حد كبير نعني تشخيص العيب، مع أن هذا غير متحقق عند الغالبية العظمى للمثقفين، فإنها، أعني الورقة، لا تقرر بخطوة ثانية التجاوز والمغادرة بقدر ما تدعو إلى شيء منه وبشكل حيي وبالتفافات واتّباع طرقٍ غير مباشرة، وأعتقد أن لهذا علاقة بطبيعة الشخصية العراقية، بما فيها الشخصية المثقفة، التي ترفض أن ترى الخطأ، وإنْ هي رأته فإنها غالباً لا تقرّ به. وهكذا ليس لنا أن ننتظر الخطوة الثالثة والأخيرة، نعني الإقدام على التغيير وإصلاح المسار. وتعلقاً بالمثقفين أنفسهم، لا بالورقة تحديداً، أقول، وأنا أرى أغلبهم ليسوا حتى في الخطوة الأولى، نعني تشخيص الخطأ والسلبية، ولا يعترفون بشيء منها، كيف إذن ننتظر منهم فعلاً حقيقياً. هل أقول ليس من أمل؟ بصراحة أتمنى أن لا أقول هذا ولكن أخشى أن ليس لي أن أتخطاه كثيراً.. باختصار اسمحوا لي أن أقول أنني لست متفائلاً بهم. الملاحظة الثانية: في عموم الورقة ينبّه صاحبها الشاعر ياسين طه حافظ إلى ضرورة احترام اليسار للآخر يمينياً ودينياً وتوجّهاً. وإذ تبدو هذه الدعوة وعياً افتقدته قوى اليسار طيلة عقود، نرى أن احترام الآخر المختلف الذي لم يتحقق شيء، والتحالف معه كما فعل هذا اليسار في النهاية، شيء آخر لا يُضمن أن يكون صحيحاً وصحياً.الملاحظة الثالثة:مقارنةً للثقافة بالحقول و(القوى) الأخرى، تحاول الورقة بيان مكانة الثقافة غير المهيمنة في ما تسميه "منطقة النفوذ والفعل المباشر" وقوى النفوذ الأخرى في تسيير الدولة، من اقتصاد وتجارة وسياسة ودين وغيرها، واقتصارها على ما تسميه الورقة "مستوى الاعتراض المدني" وربما دخول المثقف "شريكاً ثانوياً في بعض المشاريع البعيدة عن الدفاع والأمن الداخلي والمالية"، وتضيف الورقة القول: "انتهى، هنا دور الثقافة في نشر الوعي والإثارة". هنا أتساءل: ومتى كانت الثقافة ظاهرياً أقوى من تلك القوى الأخرى في أي مجتمع من المجتمعات وفي أي حقبة من حقب التاريخ؟ هي  لم تكن كذلك في يوم من الأيام. فنحن نعرف أن (الإقطاع والمرجعيات الدينية) المالك والحاكم المفوض من الله أو الآلهة قد تناوبت على الهيمنة على السلطة، في عموم المجتمعات وعبر كل مراحل التاريخ، وما قد يرد خلاف هذا لتبرز الثقافة مهيمنةً إنما هو من الاستثناء الذي يعزز القاعدة والتعميم ولا ينسفهما. لكن المثقف ما شكّ طوال التاريخ في أن الثقافة غير قادرة على الفعل، ببساطة لأنها لم تمر بمثل هكذا عجز إلا في العراق، لاسيما في العقود الأخيرة، وإلى حد ما في الوطن العربي عموماً وفي مراحل بعينها. وهي لم تشكُ من عجز عن الفعل لأنها لم تكن تشتغل وتفعل من خلال وجودها سلطة مباشرة، ببساطة لأنها كانت تفعل من داخل تلك السلطات المهيمنة. فنحن ننسى هنا أن للثقافة تمظهرين واحد بوصفها كياناً أو مظهراً قائماً بذاته، والآخر تمظهر ضمني أي داخل القوى الأخرى، اقتصاديةً وسياسيةً ودينيةً وغيرها. وهكذا كانت الثقافة من خلال الشعر تفعل فعلها من خلال الهيمنة القبلية في عصور العرب القديمة، وسعت إلى الإصلاح الديني في السلطة الكنسية من خلال اللوثرية في القرن السادس عشر، وعملت الشيء الكثير داخل السلطة الشيوعية في حقبة الاتحاد السوفيتي، كما لا ننسى ثقافة ومثقفي مصر في عهدي ناصر والسادات، وأخيراً ما كان لها من دور كبير في ثورات ربيع العرب. إذن الثقافة كانت تعمل دائماً ولكن من داخل السلطات المهيمنة والحاكمة نفسها غالباً، وهو مع الأسف ما لم ولا يتحقق في عراق اليوم حين انسحبت الطبقة المثقفة بل دعوني أقولها بكل صراحة جبنت وتوزعت ما بين الانكفاء على الذات، والسير وراء مصلحة هذه الذات وهو ما قد يشتمني البعض على التصريح به، كما شتمني آخرون على تناوله في كتابي المذكور.الملاحظة الرابعة: بخصوص اتهامات

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

مطلع الشهر المقبل.. انطلاق معرض العراق الدولي للكتاب

مطلع الشهر المقبل.. انطلاق معرض العراق الدولي للكتاب

بغداد/ المدى تنطلق فعاليات الدورة الخامسة من معرض العراق الدولي للكتاب، في الفترة (4 – 14 كانون الأول 2024)، على أرض معرض بغداد الدولي.المعرض السنوي الذي تنظمه مؤسسة (المدى) للإعلام والثقافة والفنون، تشارك فيه...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram