علي نافع حموديلا يمكن لنا أن نتصور حدوث 12 تفجيرا مختلف الأنواع وفي أماكن متعددة دون أن نربط ذلك بالوضع السياسي بين شركاء العملية السياسية في البلد ، الملف الأمني مرتبط بالملف السياسي ، تلك باتت من بديهات الواقع العراقي منذ عام 2005 وحتى يومنا هذا على اعتبار إن العملية السياسية في البلد ابتدأت منذ ذلك العام .والأزمة السياسية مهما كانت بسيطة أو معقدة فإنها تلقي تبعياتها الخطيرة على أمن المواطن الذي يُستهدف يومياً.
ومن الضروري هنا أن نشير إلى أن أحداث يوم الخميس الماضي حملت أكثر من رسالة في آن واحد،الرسالة الأولى أوحت بأن الانسحاب الأمريكي ترك فراغاً أمنياً كبيراً وعلى الجميع استثمار هذا الفراغ والانطلاق ليس بعمليات إرهابية غايتها الإرهاب بقدر ما أن الغاية الحقيقية تكمن بفرض إرادة مفادها بأن الحكومة العراقية تتحمل مسؤولية ما يحصل،ومن يتمعن بالبيانات الكثيرة التي صدرت من قبل القوى السياسية في البلد حول أحداث بغداد الأخيرة يستكشف بأن بعض القوى السياسية وجدت بأن هذه العمليات الإرهابية كشفت ليس ضعف الملف الأمني فقط بل طالبت هذه القوى الحكومة بالاستقالة لأنها فشلت في كشف هذا العدد الكبير من المفخخات والعبوات واللاصقات.منطق سيكون مقبولاً الجنوح له فيما لو صدر بيان يندد بالعمليات الإرهابية وليس يرتكز عليها لتحقيق مأرب سياسي مكشوف جداً وهذا ليس دفاعاً عن الحكومة بقدر ما إنه يمثل واقعا مفروضا علينا جميعاً بموجب الشراكة القائمة الآن والتي يعدها البعض السبب الرئيسي في الفوضى التي تسود البلد على مختلف الاتجاهات سواء أكانت تشريعية أو تنفيذية. تفجيرات أحياء بغداد كانت عملية حسب اعتقادي أكبر من أن ينفذها تنظيم القاعدة الشبه منته ليس في العراق فقط بل في العالم بأسره، ومن يقف وراء هذه التفجيرات جهات متمكنة وتمتلك أدوات الرصد والتحليل والمرور من السيطرات ونقاط التفتيش دون أن يسألها احد أو يشكك فيها ، خاصة إن تجربة العراقيين مع الإرهاب اتضح الكثير من أوراقها وباتت لعبة مكشوفة خاصة إن ما حصل في تفجير مرآب مجلس النواب يجعل المواطن العراقي متيقنا من الإرهاب لم يعد بضاعة مستوردة بقدر ما إنه بات محلي الصنع ويُدار بعقلية سياسية تعرف جيداً كيف تختار المناطق والتوقيت.ومما لا شك فيه أن الشارع العراقي انقسم لفريقين في تحليل ما حدث ، الفريق الأول يجد أن ما حدث تأكيد على ضلوع متهمين بالإرهاب من المسؤولين العراقيين، لا سيما إن بعض التصريحات في الأيام الأخيرة جنحت لتوقع فوضى ودماء عراقية ستراق،وهذا التوقع ربما يزيد الشكوك لدى هذا الفريق .أما الفريق الثاني فيجد أن هذا العمل ربما يكون رسالة أمريكية مفادها أن خروجنا له ثمن، خاصة إن العراق كحكومة وشعب وقوى سياسية كان ومازال مصراً على خروج تام وشامل، وبالتالي فإن أنصار هذا الرأي يرجحون بأن تطلب بعض القوى السياسية العراقية التي تشعر بأنها مُهمشة من قبل الأغلبية،تطلب وجود حماية دولية لها بما يؤمن عودة الاحتلال ، قد يكون هذا الاستنتاج مبكراً ويصعب تصديقه أو تأكيده ، لكن نجد أن هذه الدعوات بدأت تلوح في الأفق خاصة إن البعض طالب فعلاً بتدويل قضية محاكمة الهاشمي على غرار محكمة الحريري،والبعض الآخر هدد بتدويل قضية الأقاليم، هذه التوجهات لا يمكن أن يقتنع بها المجتمع الدولي ما لم تكن هنالك خسائر بشرية،وإيقاع الخسائر البشرية سهل جداُ في عراق ما بعد 2003 لأن الدم العراقي من السهولة سفكه طالما إنه يحقق ما يطمح له البعض.
صناعة الإرهاب
نشر في: 23 ديسمبر, 2011: 05:45 م