تحليل سياسي/ ماجد طوفان من ثوابت السياسة العراقية الحالية لغة الاختلاف ، ووصلت في مراحلها الأخيرة إلى الخلاف والتوصيف الأخير يمثل أقصى العمق ، ولم يقف الخلاف حول الشأن الداخلي وإنما أصبح عابرا للجغرافيا ليمتد الى دول الجوار ، وتمثل الأزمة السورية الحالية مثالا حادا وصارخا بهذا الاتجاه اذ انقسمت القوى السياسية
حولها بشكل يدعو للدهشة، فالكل يتذكر ان الحكومة وبعض الأطراف السياسية كانت تتهم الجانب السوري بتصدير الانتحاريين الى العراق ، وان النظام في سوريا يرعى ويؤوي قيادات لحزب البعث المنحل ، في الوقت ذاته كانت قوى سياسية تقف بالضد من هذا الموقف وتعد النظام القائم في سوريا بريئا مما يحدث في العراق ، وكانت تدافع بشراسة عن الموقف السوري ووصل الخلاف ذروته عندما هددت الحكومة العراقية بقطع علاقاتها الدبلوماسية مع الجانب السوري وسحب سفيرها من دمشق . وبعد مرور الوقت وحيال التغيير الذي شهدته المنطقة وانتقال العدوى الى سوريا شهد الموقف العراقي انقلابا في موقفه بدرجة عالية ، اذ أصبح الصديق عدوا والعدو صديقا ، واصبح من يدافع عن سوريا بالامس من ألد أعدائها اليوم ومن كان عدوها صار مدافعا عنها ، هكذا وبدون معرفة الدوافع الحقيقية لهذا التغيير في المواقف ، كان المدافعون عن سوريا يعدونها قلب العروبة وهي بلد شقيق وقف مع العراقيين في محنتهم وآوى الآلاف من العراقيين أيام العنف الطائفي الذي شهدته البلاد ، ليكون الخطاب الجديد وتحديدا اذا اردنا التأشير فالقائمة العراقية تقول نحن ارادة الشعب السوري في حين كانت هي المدافع عن سوريا وبالطرف الآخر فان الحكومة والتحالف الوطني يقفان مع الحكومة السورية الآن ، وهذا يؤشر ان الخلاف العراقي ذاهب في مدياته الى حدوده القصوى . رئيس الوزراء نوري المالكي عرض امس الاول مبادرة للتوسط بين الحكومة والمعارضة وهذا يعد تطورا جديدا في موقف الحكومة ، ويبدو ان المعارضة السورية وحسب المعلومات المتوافرة تدرس الطلب العراقي وهناك من يقول انها ستستجيب لهذه المبادرة ، وهذا يضع المراقب على مفترق طرق لقراءة المشهد الداخلي ، ولعل المفارقة تكمن في موقف العراق من قرارات الجامعة العربية في ما يخص ألازمة السورية اذ امتنع العراق عن التصويت على قرار تعليق عضوية سوريا وتحفظ مرة اخرى على فرض العقوبات الاقتصادية على الاخيرة ، فكلا الموقفين جوبه من بعض الاطراف المشاركة في الحكومة والعملية السياسية بالرفض والاستهجان ، وكأننا ازاء حكومة برأسين واحد يمثل الحكومة والآخر يمثل المعارضة وهي حالة فريدة من الصعب ان تتوفر في دولة اخرى في العالم . والراجح ان العناد السياسي الذي تشهده البلاد وصل الى اتخاذ المواقف من الأحداث الاقليمية والدولية ، ففي حين تصرح القائمة العراقية انها ضد موقف الحكومة بهذا الشأن وهو انقلاب عجيب لا نجد له مبررا سوى انه يقف بالضد من ائتلاف دولة القانون تحديدا والذي يرأسه رئيس الوزراء نوري المالكي ، ولعل الخطورة في هذا الخلاف تكمن في انه سينعكس بشكل او بآخر على وضع العراق بمجمله ، وسيعوم موقفه تجاه قضايا اخرى ربما تكون اكثر اهمية مما يحدث في سوريا الآن ، واذا كان منطق السياسة يقول ان الدول تحكمها المصالح وليست العواطف ، فأين هي مصلحة العراق من الموقف من سوريا ؟ هل بالوقوف مع النظام او المعارضة ؟ وقراءة هذا الموقف من يقررها ؟ فاذا كانت الحكومة هي صاحبة القرار ، فعلى الآخر الا يخرج عن مؤسسة هو مشارك فيها ، واذا كان القرار يتخذ من اجل النكاية والخلاف فتلك طامة كبرى . والموقف العراقي الحالي يؤشر حجم الأزمة التي تمر بها العملية السياسية ، ويبدو ان الازمات الخارجية اصبحت بالون اختبار ومعيارا على هشاشة المشهد السياسي ، فكلما تحدث ازمة داخلية او خارجية نشهد تأزما واضحا يترك آثاره في الشارع العراقي وبحدة بالغة وناصعة . ونفس الامر ينطبق على الموقف من البحرين اذ شهد العراق انقساما مماثلا وهذا يؤشر وبقوة التمايز والتباين والانتقائية في اتخاذ المواقف ويشعر المراقب بان الازمة هي ابعد من كونها لعبة سياسية الحاضنة لها هي الديمقراطية ، وانما الحاضن يتعدى اصول اللعبة ويتجاوزها بكثير ، وهذا الخلاف في ادراة الدولة داخليا وخارجيا يمثل الهوة الكبيرة بين النخب السياسية والمدى الذي وصلت اليه من الافتراق الذي يعطي للمراقب صورة ان لا عودة هناك لهذا النهج ، بل ان الزمن يؤكد ان سياسة الهروب الى الامام هي اكثر ما يجيده الساسة العراقيون .
العراق والأزمة السورية .. سياسة الهروب إلى الأمام

نشر في: 4 ديسمبر, 2011: 10:29 م









