TOP

جريدة المدى > مقالات واعمدة ارشيف > على هامش الصراحة:الفكر والسلوك!!

على هامش الصراحة:الفكر والسلوك!!

نشر في: 20 نوفمبر, 2011: 06:57 م

 إحسان شمران الياسرييقول الأستاذ نجيب محفوظ: يبدو أنني سأعيش وأموت فقيراً، فمن الصعب على رجل في الخمسين أن يشرع في تعلم أصول السرقة. وقد حدثني الأستاذ (سالم عبيد) وهو أحد الذين صعدوا على خشبة الإعدام نحو ساعتين حتى وصل قرار الرئيس الراحل احمد حسن البكر بإعفائهم بعد الضغوط التي مورست على النظام وعلى نائب الرئيس (صدام) عندما كان في زيارة لإسبانيا، إن احد المحكومين بقضايا جنائية كان مسجونا مع الشيوعيين، ويبدو أن وجوده هناك غسل جانبا من دماغه،
فلاحظ رجال الأمن سلوك هذا السجين الذي بدا لهم من كثر الاختلاط انه أصبح شيوعيا.. فحذّره مسؤول الأمن من هذا التحوّل.. ففوجئ الرجل وطلب من رجل الأمن تأكيد هذه التهمة: هل تعني يا سيدي أنني أصبحت شيوعيا، وان كل ذنوبي وجرائمي يمكن أن تتطهر بهذه الكيفية؟ومعنى هذه الواقعة، إن الفكر النيّر يمكن أن يغسل صدور الناس ووجوههم وتتأكد هويتهم الإنسانية بعد أن تكون قد توارت خلال تجريب الثياب الأخرى.. ثياب الشر والفساد والرذيلة وتقديم الذات على التفاني وعمل الخير.. وفي زحمة التعبير غير المؤكد عن الذات تتسرب من بين أيدينا مقومات الثبات على الخصائص التي نسعى إليها، فتضيع الخصائص التي نلاحقها، وتلاحقنا بدلا من ذلك كل الخصائص التي هربنا منها.. ما يُحيّر أكثر هو أن البعض من أهل الفكر النيّر يتحولون إلى الجانب الآخر مما نتحدث عنه الآن في رِدّةٍ عجيبة لم تتحدد دوافعها بشكل أكيد.. ولم يتجرأ احد على وضع تفسير عن وجود عيوب أصلا في ذلك الفكر، أو وجود مشكلة عقائدية تسمح بانحراف أهله وركوبهم في القطار الآخر.. ما من احد يقدر على مقاومة التفكير في دواعي انخراط بعض حاملي الفكر النيّر في إساءات قاتلة لمنهج فكرهم.. وما من احد يستطيع الادعاء بان تلك الإساءات مقبولة أو منسجمة مع الطبيعة التي نفهمها عن ذلك الفكر أو المنهج أو الخصائص. وأنا هنا لا أشير إلى شيء محدد، ولا أعني فكرا أو حزبا أو تيارا.. بل أضع قاعدة أفكر على مقاساتها وأختبر السلوك..فإذا سألتني عن جواز قيام (إسلامي) بسرقة المال العام أو تبديد وقت المؤسسة، أو تقديم شهادة زور ضد مظلوم، أو رتّب أدلة باطلة ليُقصي هذا أو يرفع ذاك.. أو سألتني عن شيوعي فعل هذا، أو قلت لي إن ابن فلان أو حفيد فلان أو عم فلان، فعل هذا أو روّج له أو دافع عنه أو تورط فيه، فأنا أتبرأ منهم، وأباشر البحث عن العلة، هل هي في الأصل أم في السلوك الفردي..أما إذا أخذت الأمور شكل الظاهرة، وأملي أنها لم تأخذ، فعلينا أن نختبر الأصل مرة أخرى.. ومثل هذا الهذيان قد لا يكون مُنتجا ما لم يقع تحت نظر من بيده مصير (ضميره) كي يتبدّى له موطن الخطيئة وفرصة الإصلاح.. ومثل هذا الهذيان قد لا يكون متصلا بقول نجيب محفوظ، ولكنه متصل بكل ما يتعذر قوله هنا!

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

حياتي وموت علي طالب

حياتي وموت علي طالب

غادة العاملي في لحظة تزامنت فيها الحياة مع الموت استعدت ذكريات عشر سنوات ،أو أكثر .. أختصرها الآن في ذاكرتي بالأشهر الثلاثة الأخيرة. حينما اتفقنا أناقرر هو أن يسافر ملبيا الدعوة التي انتظرها لأكثر...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram