الكتاب: كاثرين العظمى تأليف: روبرت ك. ميسي ترجمة: ابتسام عبد الله هذا الكتاب طال انتظاره، وهو للمؤرخ روبرت ميسي، الذي بلغ الـ 82 من عمره. وهذا الكتاب يتفوق على عشرات من المؤلفات التي صدرت عن الإمبراطورة الروسية التي كانت لا تتضمن غير حقائق تاريخية ثابتة. وقد أمضى ميسي ربع قرن في الدراسة والبحث كي يصدر كتابه أشبه برواية ممتعة.
ويتحدث الكتاب عن الظروف العديدة الجيدة التي سهلت عملية انتقال السلطة إلى كاثرين للسيطرة على الإمبراطورية الروسية في ذروة صعودها. وكانت تلك الإمبراطورة قد بدأت حياتها عام 1729، باسم صوفيا اوغاستا فريدريكا: أميرة ألمانية قليلة الشأن، سلمتها والدتها في الحال لمربية مدمنة على الكحول، في حين اتجهت مشاعرها كافة كأم نحو ولد ستنجبه فيما بعد، قد يتسلم إمارة والده فيما بعد. ولكن ذلك الابن المريض الذي جاء إلى الحياة بعد صوفيا بـ 18 شهرا، وتوفي وهو في الـ 12 من عمره. ولم تجد الأم آنذاك غير الالتفات إلى المصدر الوحيد الذي قد يحفظ لها مكانتها وموقعها، ونشأت صوفيا وهي حريصة على بناء شخصيتهاعلى: الاستماع إلى الآخرين والتصرف بتواضع، وهما عاملان ساعداها في حياتها السياسية فيما بعد عندما أصبحت إمبراطورة روسيا والحاكمة التي لا ند لها. لقد أرادت "السلطة" وأرادت أيضا الشيء الذي لم تستطع الحياة يوما بدونه وهو "الحب"، وحصلت على الاثنين – ليس من الزوج الذي كان بانتظارها.وكما ذكرنا، فان الظروف مؤاتية بالنسبة لصوفيا. فعندما تطلعت الإمبراطورة اليزابيث إلى ما حولها، لم تجد من تخلفه على العرض بعدها، غير ابن عمها بيتر، والذي انتزع من مقره في هونشتاين إلى سان ببطر سبرغ. وعندما تطلعت إليه ووجدته في الـ 14 من عمره، ضعيف البنية والعقل، بدأت تبحث عن عروس له، قد تنجب لهم ولي العهد. وتم تقديم العشرات من الأميرات للإمبراطورة ولم تنجح إلا صوفيا، في تلك العروض. كانت لصوفيا مزايا عدة فمنها ثقافتها، التي أهلتها للترشيح زوجة لبيتر. وبدأت صوفيا في الحال في قراءة وبحث كل ما يمت صلة إلى روسيا- الكنيسة، اللغة والعادات – مما أثر كثيرا على تغيير شخصيتها. وكانت صوفيا مجتهدة في دراستها، تلح على مدرسها زيادة عدد ساعات الدرس، وما أن تستيقظ صباحا حتى تهرع إلى مكتبها، والى حفظ مفردات اللغة الروسية، وهي تسير في قاعة باردة جداً. وبسبب حبها لروسيا، تعلمت تلك اللغة التي بدت صعبة بسرعة، وهو الأمر الذي ساعدها بعدئذ. ومع زواج صوفيا وتحولها إلى الأرثوذكسية، تغير اسمها إلى كاثرين، وأصبح بجانبها زوج في الـ 17 من عمره، يثير الضحك في كل ما يفعل، وهو لم يكن غبيا بل مجنونا. كان مدمنا على الكحول، وقد شجعه على ذلك الذين كانوا يرتدون الملابس العسكرية حسب أوامره، للقيام باستعراضات أمامه عندما لم يكن مشغولا بعدد من الدمى على شكل الجنود، والتي ظل يأخذها معه إلى الفراش عند النوم. إن الأشهر الستة التي أمضاها في السلطة والتي بدأت من 1761، كانت لا تحتوي غير محاولاته لتغيير الكنيسة الروسية من الأرثوذكسية إلى البروتستانتية. ولم يكتف بذلك فحسب، بل انه ارتدى الزي الرسمي البروسي من خلال ممارسته العمل وهو الأمر الذي أثار روسيا (إذ كانت بروسيا عدوة لها وقد أدى هذا الأمر إلى حدوث انقلاب ضده وإقصائه عن العرش في عام 1762. أما كاثرين فكانت ذكية وهي، ترتدي الزي العسكري الرسمي الروسي وتمتطي حصانا ابيض اللون، وتقود كتيبة من المشاة (1400 جندي)، واعتقال زوجها العاجز، الذي بدا مثل يزون، متجاهلا التقارير التي تحدثت عن الانقلاب القادم، وانصرف للعزف على الكمان. وفي الوقت الذي وجهت أوربا بأجمعها اللوم لكاثرين لمقتل زوجها فيما بعد في السجن، فان يديها بقيتا غير ملطختين بالدم: وقالت الوثائق الرسمية أن سبب الوفاة ودرجة المسؤولية لم يتم التعرف عليها". خلال الأعوام الثمانية اللاحقة، استمرت الإمبراطورة كاثرين في الظهور بالملابس الرسمية في كل استعراض عسكري في العاصمة من اجل رفع معنويات جيشها المحارب في تركيا. وكانت بذلك تريد الحصول على الإعجاب والقوة، وكأنها بذلك تبرهن لوالدتها على شخصيتها القوية، وأيضا لتكون مصدر إلهام لشعبها غير المتعلم بنسبة كبيرة. وقد نجحت بتلك التصرفات في اكتساب لقب، "ماتوشكا"، أي والدة كل روسيا. وعندما هدد مرض الجدري روسيا، أعلنت سلامة بلادها، وقامت بارتداء ملابس بسيطة وسارت بين الناس كي تبرهن لهم ذلك. وقد أعلنت كاثرين نفسها، "الإمبراطورة العظمى" مثل بطرس الأكبر، وحلمت أن تجعل روسيا متقدمة مثل الدول الأوربية – وهي المعجبة بموتيسكو، تراسل أسماء شهيرة باستمرار مثل فولتير وديدرو، وكانت تستشير الأخير ليساعدها في الحصول على الأعمال الفنية البارزة لتضمها إلى مجموعة الهيرميتاج. وخلال اندلاع الثورة الفرنسية، انصرفت إلى محاربة المتمردين والقضاء عليهم، واضعة ثقتها في الطبقة النبيلة وتوسيع إمبراطوريتها وإغناء ثقافة البلاد. وكاثرين، بعد انتظار 7 أعوام لتحقيق زواجهما (فعلا)، وجدت نفسها ما تزال عذراء، وأدركت أن الوقت يمضي سدى دون أن تحصل على ولي للعهد. وبدأت عند ذاك في إقامة علاقات مع سلسلة من العشاق يمنحونها ما تصبو إليه من حب وابن.
إمبراطورة عاشت لشعبها
نشر في: 28 نوفمبر, 2011: 07:59 م