هاشم العقابي برغم نصيحة الأصدقاء بان لا افعل، قررت اليوم ان اقترب قدر ما استطيع من ميدان التحرير بامل ان اسال احد المعتصمين هناك عن سبب اعتصامه. ما دفعني لذلك هو كثرة تساؤلات المصريين، البعيدين عن الميدان والمنشغلين باعمالهم الخاصة، عن دوافع ما يدور من صدامات بين الشرطة والمعتصمين.
اغلب البسطاء الذين جلست معهم البارحة في مقهى شعبي يرددون سؤالا واحدا: "همه دول عاوزين ايه؟". اجبت احدهم بلهجتي العراقية، وكأني نسيت اني بمصر: والله آني هم ما ادري شيريدون؟ واذا باحدهم يجيبني بعراقية واضحة: "ذوله بطرانين يا باشا". ضحكت فاجابني انا عشت بالعراق اكثر من 12 عاما. وصار يتغزل ببغداد واحيائها وبطيبة اهلها بغزل كاد ينزل الدمع من عيني.هذه "شيريدون" هي التي جعلتني اجازف واقترب من رذاذ الحجار المتطاير ورائحة بارود القنابل المسيلة للدموع. ويالها من رائحة مقرفة تمنيت حين شممتها أن التقي بالمطرب عبد الجبار الدراجي الذي كتب اغنية لقادسية صدام غير المقدسة جاء فيها: "يمه البارود من اشتمه ريحة هيل". اريد ان أحلفه بكل اجداده ان كان حقا وجد رائحة البارود "الخايسة" مثل رائحة الهيل. لا اطيل عليكم ذهبت الى الميدان لكني لم اصل الى خط النار ولم اجد جوابا لسؤالي اذ بقيت حتى هذه اللحظة لا اعرف ماذ يريد المعتصمون الهائجون. وفي طريق عودتي تذكرت حدثا مشابها مع مجموعة من المصريين الذين كانوا يعملون ببغداد في اول ايام بدء الحرب مع ايران. لقد انتشرت بيننا، في وقتها، نحن مجموعة من الشعراء الشعبيين، لعبة هي اقرب "للتحشيشة" كما يسميها العراقيون اليوم. فكان احدنا على حين غفلة يختار شخصا ما لا يعرفه ويسأله: "انت شتريد؟". اذكر منها مثلا، ان الشاعر والفنان عبد الله حسن، شاهد المرحوم كامل الدباغ، صاحب البرنامج التلفزيوني الشهير "العلم للجميع"، فبادره بسؤال: "انت شتريد طالع علينا بالشاشة كل اربعاء؟". احتار الدباغ وتطلع بوجه عبدالله فهز يده مدمدما: "الله يشافيك". اصر عبد الله وظل يحاصر الدباغ وما انتهت اطلابة "شتريد" الا بالشافعات. وذات يوم حظي الشاعر الغنائي جبار الغزي بمجموعة من المصريين كانوا يسيرون بشارع السعدون فمسك باحدهم وساله: "انت شتريد؟"". احتار المصري كيف يرد على جبار ويفهمه بالذي يريده وصار يقسم له بأغلظ الايمان بانه انسان يريد ان يدبر لقمة عيشه. رد جبار عليه بلطف بعد ان شعر بان المصري صار يرتجف من الخوف معتقدا بانه مخابرات أو بعثي كبير: "خايب شمالك جاي اتشاقه وياك". ردالمصري "ومالها شمالي؟". صاح جبار غاضبا: "اهوووو هاي شراح يفضها". ثم ضحك وغنى:اهنا يمن جنت وجنت جينه او وكفنه ابابكولف الجهل ما ينسي اشمالك نسيت احبابكعندها فقط صفق المصري وشعر بالامان الذي ما عاد اغلب المصريين يشعرون به اليوم.
سلاما ياعراق :شيردون؟
نشر في: 21 نوفمبر, 2011: 08:01 م