TOP

جريدة المدى > مقالات واعمدة ارشيف > وقفة: ثقافة العنف الإعلامي

وقفة: ثقافة العنف الإعلامي

نشر في: 28 نوفمبر, 2011: 08:20 م

 عالية طالبينصّ ميثاق اليونسكو الذي تقرر منذ أكثر من نصف قرن على ما يأتي:"بما أن الحرب تبدأ في أذهان البشر، فأن علينا أن نبني متاريس السلام في أذهان البشر أيضا".فما هي متاريس السلام التي شيّدها العقل والمنطق حتى لا يكونا أولى ضحايا ثقافة العنف العراقي الذي لا يمكن أن نجد له تبريرا وهو يتغلغل في مفاصلنا كافة ليستمتع بدورة عنف تأخذ مسميات امتدت حتى داخل الأسرة والحرم الجامعي والتربوي وتمادت حتى طالت اغلب حيواتنا بعد أن استشرت سياسياً وعسكرياً وتداخلت بين عمل الأحزاب والتجمعات والتنظيمات المدنية،
ولم تغلق الدائرة التي ما زالت تلتهم مجتمعنا دون هوادة.هل وجود التناقضات الفكرية والاجتماعية يعطي للعنف أحقية في الظهور أم أن وجود "ثقافة العنف" هو المتكأ الذي تستند عليه هذه الظاهرة لتجد لها مسميات تبريرية كالعنف الثوري ونظريات التكفير والتعصبات القبلية والمذهبية والقومية؟.ما الذي يغذّي ثقافة العنف ويجعلها تجد تلك البرك الملوثة التي تتنفس فيها بحرية دموية..؟وما هو الوعي المطلوب اليوم الذي يتناسب مع هذه المرحلة الدقيقة التي نمر بها..؟وكيف نبدأ باستخدام وعي التقاطع التام مع ثقافة العنف.؟نعتقد أن العديد من هذه الأسئلة ستتوقف أمام زاويتين، الأولى تشخيص وسائل نمو ثقافة العنف، والثانية نزع الأقنعة التي تخفي أهدافها الحقيقية وصولا إلى إدانتها جهارا بوسائل تعرف معنى ثقافة اللاعنف وترسخها بجدارة مجتمع متحضر تاريخيا وحاضرا.وحين نتوقف أمام النقطة الأولى فأننا سنحمل وسائل الإعلام مسؤولية كبيرة في إيجاد البيئة الخصبة لإنعاش ثقافة العنف حين جعلت العراق أرضية تجريبية لجميع وسائل الإعلام العربية والغربية، إذ حرصت هذه المنافذ على أن تندمج في معركة الإعلام محليا منذ الفترة التي سبقت الاحتلال الأميركي، ففي التسعينات تأسس مركز إعلام الشرق الأوسط MBC في لندن ثم شبكتا ART/ERT، وجاءت من بعدها فضائيات الجزيرة، أبوظبي، والعربية وأثبتت هذه المنافذ الإعلامية تأثيرها القوي على المشاهد العربي على حساب فشل القنوات الحكومية، التي بقيت في موقع شبه بعيد على تأثير التحولات السياسية والثقافية والاقتصادية والتقنية المعولمة والكاسحة، وعبر هذه النقطة دخل عنصر المنافسة الساحة باحثا عن أجساد مقطعة وأخبار دامية بعضها شبه مفبرك وامتيازات صور لم يعتدها المشاهد العربي ولا الغربي عبر مشاهد الخطف والذبح والتهديد والتفجيرات التي ترسل أشرطتها كهدايا لفضائيات دون أخرى فيستقبلها المتلقي بانبهار أولا، ثم بانتظار ومن بعدها يتعود ليصل إلى الإدمان ويحتاج إلى جرعة إثارة اكبر، ضمن سباق مع منسوب المنافسة ولا بد من ارتداء لبوس التغيير التقني واستبدال قيم ومعايير وثقافة جديدة لا يهم إن اقتربت من ثقافة العنف. الأخطر من كل هذا هو تسلل ثقافة العنف إلى أطفالنا الذين نصادر رغباتهم، ويلاحقون معنا ما يجري من عنف إعلامي سيجعلهم لاحقا يتعاملون مع صور الرعب بسلبية مرنة ودون تفكير بالدهشة، فالإدمان الإعلامي حقق رغباته في دواخلنا بامتياز وعلل النهايات بالبدايات وأوقفنا ضمن تبنّي ثقافة العنف دون أن نجد متاريس السلام التي هي مسؤولية إنسانية مشتركة بين الجميع، دولة وأفرادا، من دون استثناءات.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

حياتي وموت علي طالب

حياتي وموت علي طالب

غادة العاملي في لحظة تزامنت فيها الحياة مع الموت استعدت ذكريات عشر سنوات ،أو أكثر .. أختصرها الآن في ذاكرتي بالأشهر الثلاثة الأخيرة. حينما اتفقنا أناقرر هو أن يسافر ملبيا الدعوة التي انتظرها لأكثر...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram