ابتسام يوسف الطاهر بفضل القناة الرابعة البريطانية تمكنت من مشاهدة الكثير من الأفلام العربية المميزة، حيث كانت تقدم فيلماً أجنبياً كل أسبوع باللغات: الاسبانية والايطالية والفرنسية أو العربية. من الأفلام التي حفرت في الذاكرة الفيلم الجزائري (القلعة) للمخرج الجزائري محمد شويخ الذي أنتجه عام 1989.
والذي يعد علامة مميزة للسينما الجزائرية التي قدمت الكثير من الأفلام الرائعة المتفوقة بموضوعها وإخراجها، ولما عرف عن المخرج من شاعرية وشجاعة في طرح موضوعات الساعة في الوطن العربي. فقد أُنجز فيلمه بعناية فائقة وفي إطار متحرر من قوالب صناعة السينما ذات الهدف التجاري. تدور أحداث الفيلم في قرية صحراوية جزائرية، وما القلعة إلا موقع جغرافي يتشكل الناس فيه من مجتمعين؛ مجتمع للرجال وآخر للنساء، هناك فاصل حاد بين الرجال والنساء، يدخل الرجال من باب بعيد عن باب النساء. يقضي الرجال أوقاتهم في التسلية، بينما تنهمك النساء في أعمال المنزل محجبات بملابسهن الطويلة. عائلة (سيدي) تشكل نموذجاً لهذا المجتمع، ومرآة تعكس النمط الثقافي والديني وعادات وتقاليد البلد الذي تعيشه وتظهر كل التناقضات حيث العادات القديمة والتخلف والقمع في مواجهة والحياة، رئيس العائلة )سيدي) متزوج من ثلاث نساء، ويتأهب لجلب الزوجة الرابعة، التي يقع قدور ابن سيدي بالتبني في حبها. فيكتشف سيدي (الوالد) الأمر، ويضرب قدور بعنف، ثم يجبر الشاب على تنفيذ قانون القبيلة، ويعلن عن زواج قدور من (حبيبته)، لكن الشاب قدور يكتشف أن العروس ليست سوى دمية، فتحطمه الصدمة، لاسيما وهو يواجه قسوة المجتمع الذي يقابل صدمته بالضحك والسخرية! فيشعر باليأس ويرمي نفسه من فوق الصخور أمام أعين أهل القرية.وقبل أيام شاهدت فيلما من إنتاج هوليوود (Lars and the Real Girl) –لارس والفتاة الحقيقة- الذي أنتج في 2007، للمخرج كريغ جليسباي Craig Gillespie ، الذي حظي باهتمام النقاد ونال نجاحا كبيرا ورشح لعدة جوائز وحصد أرباحا كبيرة لم يتوقعها المنتج. الفيلم كوميدي – دراما يدور حول لارس شاب رقيق ومؤدب، يعيش في كراج بيت أخيه المتزوج من شابة ترعى لارس وتعطف عليه. لكن لارس يتجنب زيارتهم فهو يعاني مرض الوهم وخوفا من الاحتكاك أو ملامسة الناس. يلجأ لارس الى لبس أكثر من قميص وأكثر من فانيلا لتجنب ملامسة أحدهم له. لذا يعيش منعزلا عن المجتمع في تلك البلدة الصغيرة. بالرغم من حضوره الكنيسة ومساعدته الآخرين وقت ما يلزم، إضافة الى انه موظف وملتزم بدوامه. لكنه لم يقم أي صداقة أو زمالة مع أي من أقرانه، بالرغم من اهتمام إحدى الزميلات به ومحاولاتها للتقرب منه. وبإيحاء من زميله يكتشف موقع الكتروني لبيع دمى بحجم الإنسان اسمه (الفتاة الحقيقية) والذي يلجأ لتسويق تلك الدمى، الى اختلاق قصص عن حياة تلك الدمى، فهذه اجتماعية ومحبة للخير، والأخرى يتيمة توفي أهلها بحادث وتعاني مشاكل نفسية.. الخ، من قصص مختلقة يصدقها البعض من أمثال لارس. يشتري لارس دمية ثم يأتي فرحا ليبشر أخيه بحضور صديقته (بيانكا) ويطلب من أخيه أن يفرغ غرفة لها لأنها معاقة بسبب وضعها النفسي، وليس من اللائق أن تنام في الكراج! يفاجأ الأخ وزوجته بأن تلك الصديقة ليست إلا دمية. يحاول أخيه أن ينبهه الى ذلك لكن زوجته الحكيمة تتعامل مع الموضوع بترو، فتتماشى مع لارس في تعامله مع الدمية كما لو أنها (فتاة حقيقية)، بل تسألها إذا أعجبها الأكل .. ويصحبونها معهم في رحلاتهم. ثم يحاول الأخ أن يعتذر لأخيه لارس عن قسوته معه سابقا وأنانيته التي جعلته يفرض على لارس أن يعيش في الكراج، وهذا ما تسبب في عزلته ووضعه النفسي الغريب! ثم يوافق على اقتراح زوجته بعرض لارس على طبيب نفساني ولكن بطريقة غير مباشرة لا تستفزه "صديقتك متعبة بعد ما مر بها من متاعب فما رأيك نعرضها على طبيب نفساني". فوافق على مصاحبة صديقته (الدمية) للطبيبة، التي تطلب من الجميع أن يتعاملوا مع الدمية كما لو أنها حقيقية، لأن لارس مصاب بحالة (الوهم) وأي محاولة عكس ذلك قد تعرضه لصدمة ربما يفقد عقله بسببها. هكذا صار كل من في البلدة يتطوع لذلك بل صاروا يحيون صديقة لارس (الدمية) ويقدمون لها الورد، حتى مدرّسة الأطفال تجعلها تقرأ القصص على الأطفال، طبعا من خلال تسجيل صوتي للقصص يرافق حضورها بين الصغار. فكل واحد منهم يعترف أن في دواخله طفلا يظهر بين الحين والآخر، ولو بشكل سري، فلابد من تفهم حالة لارس الذي مازال يعيش ذلك الطفل. بقيت زميلة لارس تتقرب منه وتلجأ له حين يعاملها أحدهم بقسوة. بلحظة نرى لارس ينزع قفازه للمرة الأولى ويصافحها، بعدها يوحي لأخيه بأن صديقته (الدمية) مريضة جدا ويصرخ بهم ليأخذونها بسيارة الإسعاف لقسم الطوارئ، حيث تجرى لها عملية (وهمية) لم تنجح! فتموت ويقام لها قداس. ويتحدث القس عن طيبة (الدمية)، وحبها للناس وحبهم لها! وكيف أنها كانت السبب باقتراب لارس من جيرانه واقترابهم منه واهتمامهم به. هكذا تلاشى الوهم وقد قرر لارس بعقله الباطني أن يدفنه، ويستعيد توازنه مع المجتمع الذي تفهم حالته وساعده على الشفاء منها بشكل حضاري لم يجرح مشاعره. فيمد يده لزميلته التي حضرت مراسم دفن الدمية، ليحتضن يدها فتفر
بين قلعة شويخ ودمية جليسباي
نشر في: 30 نوفمبر, 2011: 06:30 م