أمستردام – عدنان أبو زيد قبل أربع سنوات ، لم تكن اللاجئة العراقية الكردية في هولندا (غُلي) تجرأ على البوح بمرضها ( سرطان الثدي) في وطنها الأم العراق ، لكنها اليوم ، تجاوزت المتعارف عليه ، وتجرأت على إعلان مرضها وتأسيس جمعية تكافح سرطان الثدي في كردستان بالتعاون مع مؤسسات إنسانية هولندية.
واستطاعت غُلي عبد الرحمن أن تحول اليأس والألم الذي راودها جراء إصابة ثديها بالسرطان إلى قوة وأمل ، وكانت الخطوة الأولى في هذا الاتجاه ، تأليفها لكتاب حمل عنوان (21 جلسة علاج أشعة) بالتعاون مع الصحافية الهولندية كارين فيسيلينك حيث ألقت الضوء على تجربتها مع المرض. السرُّ الدفينوالخطوة الثانية هي مساعدة النساء في كردستان العراق بالتجهيزات الطبية والاستشارات حول طرق التعامل مع المرض الخبيث الذي هو في غالب الأحيان سر دفين بين النساء في العراق لا يجرأن على البوح به حتى لأقرب الناس .وتدير غُلي في الوقت الحاضر جلسات استشارية أسبوعية في أمستردام تستقبل فيها المصابات بالسرطان من خلفيات أجنبية، وهناك تمدهن بالمعلومات والنصائح بثلاثة لغات هي: العربية والتركية والكردية. كما أسست غُلي مركزا لعناية مرضى سرطان الثدي في العراق.نظرة مختلفةوبحسب غلي فإنه حتى النظرة إلى المرض تختلف بين الشعوب بحسب اختلاف الثقافات ، ففي كردستان العراق حين تسود القيم المحافظة ويفسر البعض المرض عقابا إلهيا ، يحتاج المرء إلى قوة المقاتل الباسل لكي يساعد ضحايا (المرض الخبيث) ماديا ومعنويا. وبحسب استطلاعات بين الأقليات الأجنبية في هولندا فإن كثيرين يعدون السرطان عقابا إلهيا ، يحتم على الإنسان الاستسلام ، لاسيما وأن احتمالات التعافي منه ضئيلة في الكثير من الحالات .لكن رجل الدين الهولندي من أصل مغربي قادر بن علي قال لـ( المدى) أن هذا الاعتقاد ليس من الإسلام في شيء وأن الله لا يتخذ من الأمراض عقابا ، إنما هي أمراض دنيوية ، وأن ما يردده البعض حول ذلك ليس من الدين في شيء. وقبل سنوات أصيبت غُلي بحكة في ثديها الأيسر ، وحين بينت الفحوصات أنها مصابة بالسرطان ،كانت صدمة كبيرة لها ، ولم تجرؤ على البوح بالحقيقة حتى لأقرب الناس إليها ، بل لم تجد أحدا على استعداد لأن يستمع إلى قصتها حتى أولئك المصابين بذات المرض الخبيث .شعرت غلي أنها أصبحت أقل قيمة بين أهلها وأصدقائها بل وحتى بالنسبة لزوجها، لاسيما وأن البعض أسرّ لها أن مرضها هو عقاب الهي .تقول غلي : يسألني البعض إن كنت قد ارتكبت معصية ، كانت سببا في إصابتي بالمرض الخبيث.وتتابع : حتى أمي ، سألتني إن كنت قد صليت بما فيه الكفاية . وفي مواقف كثيرة ابتعد عني أصدقاء وأحبة لاعتقادهم أن المرض معدٍ ويجب علينا أن نبتعد عنك .وتقول الطبيبة الاختصاصية الهولندية سوزانا فوس أن الكثير من الأجانب في هولندا يعتقدون أن السرطان مرض مميت لا محالة ، ولهذا فإن نحو ستين بالمائة منهم لا يذهبون إلى الفحص لأنهم يائسون من الشفاء وأن أي خطوة في هذا الاتجاه مضيعة للوقت وجهد لا طائل منه كما يعتقدون.وتتابع : كلما كان اكتشاف المرض مبكرا ازدادت فرص الشفاء والعكس صحيح.تقول غلي : اكتشفت الإصابة حين كان المرض في مراحله المتقدمة ولم ينفع من علاج له سوى الاستئصال .وتتابع : كان خوفي الشديد ليس من السرطان ، قدر خوفي من أن يهجرني زوجي ، لاسيما وأن القيم الدينية والاجتماعية السائدة في كردستان العراق تتيح للرجل الزواج بامرأة ثانية إذا كانت زوجته مصابة بمرض عضال .أنا أحبكتضيف غلي: حين أصبحت عملية الاستئصال حقيقة لابد منها ، رحل زوجي إلى العراق لإبلاغ أهله أنه يجب أن يتزوج بامرأة أخرى ، ولاشك في أن الأهل يشجعون على ذلك في هذه الحالات.لكن الذي حدث أن زوجي اتصل بي من كردستان قائلا : أنا عائد إليك ، أنا احبك.غولي اليوم مازالت مستمرة على العلاج بعد أربع سنوات من إصابتها بالمرض ، والخطوة الجديدة التي عملتها على طريق قتل اليأس هو حديثها لجمهور كردستان عبر التلفزيون الكردي عن مرضها بكل جرأة وشجاعة وهذه ما لم يحدث أبدا من قبل .
غُلي.. امرأة تخترق بالإرادة حصون السرطان
نشر في: 11 ديسمبر, 2011: 09:34 م