حازم مبيضين لا يترك الطغاة مواقعهم طوعاً أو كرهاً, إلا وهم يخلفون من بعدهم مجموعة من المشاكل المستعصية, كانوا يتسترون عليها أو يقمعونها, ولم يفكروا يوماً بحلها, وهم في ذلك تلامذة نجباء للقوى الاستعمارية التي انحسرت عن العالم, لكنها تركت فيه كماً هائلاً من المشاكل المستعصية ,
وهي بذرت بذور بعضها, وهي بالتأكيد معضلات تنغص حياة البشر, وقد تدفع بعضهم إلى التحسر على أيام الاستعمار, حيث لم يكن لتلك المشاكل وجود أو تأثير على حياة الناس, والأمثلة على ما خلفه الطغاة ماثلة بين أيدينا, وهي ما زالت طازجة, وقابلة للبحث فيها بقصد التخلص منها, وليس بتركها حجر عثرة في حياة شعوب المنطقة.في مصر ترك مبارك قبيل تنحيه الفرصة لبروز تيارات سلفية متعصبة, كان يحارب بها الإخوان المسلمين والأقباط في آن معاً, وهم اليوم تحولوا إلى قوة مؤثرة ضد مواطنيهم الأقباط, الذين باتوا يخشون على مصيرهم بعد تصاعد حدة تصريحات قيادات التيار السلفي ضدهم, وهي تعلن صراحة معاداتهم، وتعتبر أنهم ليسوا من أهل البلاد، وتدعو لفرض الجزية عليهم، وتصفهم بأنهم كفار، وعادت إلى مركز الصدارة من جديد قضية هجرة الأقباط إلى الخارج، حيث تشير الأنباء إلى أن نحو 100 ألف مسيحي تقدموا بطلبات للهجرة إلى الدول الغربية, منهم 10 آلاف بعد ظهور نتائج المرحلة الأولى من الانتخابات, وهم في حقيقة الأمر يخشون على حياتهم بعد ارتفاع معدل الحوادث الطائفية عقب الثورة.في ليبيا ترك القذافي جملة من المشاكل القبلية, تتفجر اليوم في وجه السلطة الجديدة, وهاهم ثوار الزنتان يشتبكون مع الجيش الوطني, وهم قبلاً رفضوا تسليم ابن القذافي المعتقل عندهم للسلطة المركزية. وفي تونس تبرز الخلافات على أشدها بين الأحزاب المتصارعة وليس المتنافسة على اقتسام كعكة الحكم, وفي اليمن يستعر الصراع بين الحوثيين والسلفيين, وتندلع المعارك بين القبائل في بلد لا يخلو فيه بيت من السلاح, وفي المقابل فإن حلم الوحدة بين شطري البلاد الشمالي والجنوبي تحول إلى كابوس نتيجة سياسات علي عبد الله صالح. وقبل كل ذلك ترك صدام حسين العراق نهباً للصراع الطائفي والاثني, وبالرغم من مرور حوالي العشر سنوات على سقوط نظام حكمه, فإن تلك الصراعات ما تزال على أشدها, وإن تقنعت بقناعات سياسية زائفة.في غير بلد عربي لم تمر نسائم الربيع بعد على شطآنه, ثمة العديد من المشاكل النائمة, تنتظر اللحظة المناسبة لتنشر قلوعها, وتبعث ألسنة اللهب التي ظلت خامدة تحت رماد الحكام, وهم يرعونها لتنطلق بعد رحيلهم, وبما يجعلنا نتحسر على أيام الأمان معهم, ولنا أن ننظر بترو إلى الجزائر, حيث يستمر حكم الحزب القائد منذ استقلال بلد المليون شهيد عن فرنسا, ليتحول اليوم إلى بلد المليون مشكلة القابلة للاشتعال وتنتظر صاعق التفجير, أما السودان فقد تشظى قبيل رحيل البشير المقيم على قلوب السودانيين, وانبثقت في وقت مبكر المشاكل بين الشمال والجنوب, في محاولة للتغطية على ما يعصف بالجزء الذي يحكمه البشير من معضلات غير قابلة للحل مع استمراره في السلطة.لا يترك الطغاة مواقعهم التي اغتصبوها, إلا وهم يتركون لنا من المشاكل ما يتصورون عجز الشعوب عن تخطيها, لكنهم مخطئون تماماً, وإذا كانت حياة الشعوب غير قابلة للقياس بالسنوات على غرار الإنسان, فإننا على ثقة بأن شعوبنا ستتجاوز أزماتها وتبني مستقبلها, مهما طال الزمن على البشر , وكان قصيراً في حياة الأمم.
في الحدث :مــا بعــد الـطــغـــاة
نشر في: 11 ديسمبر, 2011: 09:39 م