د. معتز محيي عبد الحميدالمقاضاة عملية طويلة وصعبة ومعقدة ومرهقة ومكلفة في آن واحد , نجد أن كثيرا من المظلومين يحجمون عن الذهاب إلى المحاكم لنيل حقوقهم خشية الانتظار الطويل الذي يرهق الأبدان والعقول , يقال أنه (ما ضاع حق وراءه مطالب) بيد أن المطالبة بالحقوق تحتاج إلى تفرغ كامل , فهل يستطيع الجميع ترك أعمالهم والانصراف الكامل إلى المطالبة بحقوق غالبا لا ينالونها , بل يخسرون إلى جانب ذلك ما بذلوه من وقت وجهد ومال ، حقوق تضيع .. وأبرياء لا ينصَفون , ومجرمون لا يعَاقبون ,
لأن التقاضي في العالم أجمع يتطلب نَفًسا طويلا وصبرا جديدا ومثابرة مستمرة ، من أجل ذلك يقنع الكثير من الغنيمة بالإياب ويقولون : حسبنا ما تعرضنا له , ولا نريد أن نتعرض للمزيد من المعاناة والإحباط والتوتر النفسي المتوقع خلال التقاضي وقسوة الاستجواب ونزاع المصالح بين أطراف القضية ،من المهم أن ينال المذنب القصاص العادل , ولكن الأهم من ذلك أن ينال عقابه سريعا قبل أن يتكفل الزمن بالنسيان ، ثمن ذلك النسيان باهظ ، سنوات من الكرب والهم والغم قد تشتت الأسرة وتدمر العلاقات بين الأفراد ، المثير في الأمر ، أن تعاطف أفراد المجتمع مع عتاد المجرمين يتناسب طرديا مع طول الوقت الذي مضى على ارتكاب الجريمة , فينقلب تآزر الناس باتجاه عكسي , وبدلا من التعاطف مع الضحية يتحولون إلى الشفقة على الجاني الذي ينتظر تنفيذ الحكم ،مُضيُ الوقت يجعل الضحية تتعاطف مع جلادها هكذا أسماه علماء الطب النفسي ، التأخر في تنفيذ عقوبة الإعدام في جرائم العنف والإرهاب صار مدعاة إلى تضامن الناس مع القاتل , وكلما تأخر التنفيذ زاد التعاطف ، الأصل في تأخير تنفيذ أحكام الإعدام خاصة أن تترك فرصة زمنية لما قد يظهر من أدلة جديدة تنقض الحكم , مع تطور علوم الأدلة الجنائية صارت الأحكام أقرب إلى اليقين منها إلى الظن , فلم يعد ثمة داع للتأخير في تنفيذ عقوبة الإعدام، في جرائم القتل العمد على وجه الخصوص يحتاج أقارب القتيل وأحباؤه إلى الشعور بأن العدالة قد أخذت مجراها الصحيح ، يزداد شعورهم بالألم والثكل مع كل يوم يمر من دون تحقيق العدالة، وحتى إذا تحققت في نهاية المطاف، فإن الفترة الفاصلة بين ارتكاب الجريمة وتنفيذ العقوبة، بمثابة عقاب لأولئك الأبرياء الذين يتطلعون إلى القصاص لكي تعود حياتهم إلى طبيعتها ويبدؤوا مرحلة تضميد جراحهم ونسيان آلامهم ،إذا كان تأخير العدالة إهدارا للحقوق فما بالك بضياع العدالة أصلا؟ كثير من مرتكبي الجرائم لا ينالهم العقاب , إما لعدم كفاية الأدلة ضدهم، أو لعدم القبض عليهم أصلا ! وذلك من دواعي زيادة حسرة المجني عليهم , ولا يتوقف الأمر أحيانا على عدم إنصاف المجني عليه , بل قد يتحول المجني عليه بأعجوبة إلى متهم وقد يدان في النهاية , ولا ذنب له إلا أنه طالب بحقه , أقله أن يلام المجني عليه بقولهم، لو لم تخرج إلى الشارع لما تعرضت إلى السرقة والنشل ! لو لم توقف سيارتك خارج المنزل لما استطاع اللصوص أن يسرقوها ! لو تحاشيت المنطقة التي يكثر فيها المجرمون لما تعرضت لمحاولة القتل ! قال سبحانه وتعالى (ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى ) ويقول النبي محمد (صلى الله عليه وسلم ) (القضاة ثلاث قاضيان في النار وقاض في الجنة رجل قضى بغير الحق فعلم ذاك فذاك في النار , وقاض لا يعلم فأهلك حقوق الناس فهو في النار , وقاض قضى بالحق فذاك في الجنة ). الأوامر والنواهي في القران الكريم والسنة يستشف منها أن السائد هو الضد، فقول ( احكم بين الناس بالحق ) يعني أن أكثر الناس لا يحكمون بالحق , وقول ( لا تتبع الهوى ) يعني أكثر الناس يتبعون الهوى , وقول ( اعدلوا ) يعني أن أكثر الناس لا يعدلون، الوضع الحالي أن دولة العدل مفقودة ودولة الظلم ما تزال تعشش فيها البؤر الفاسدة .. والى متى نبقى على هذا الحال ؟.
تحت المجهر: دولة بلا قانون ..
نشر في: 9 ديسمبر, 2011: 05:36 م