اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > المنتدى العام > العملية السياسية بين الواقع والطموح

العملية السياسية بين الواقع والطموح

نشر في: 21 ديسمبر, 2011: 08:05 م

د.فالح الحمرانييعزو المستشرق الروسي المهتمّ بالشؤون العراقية جيورجي كوساتش استدامة الصراعات السياسية في العراق واكتسابها طابعا شخصيا ومذهبيا يعود إلى انعدام الثقافة السياسية لدى الشخصيات التي قادت وتقود العملية السياسية. فالسياسة كما هو شائع فن الممكن. والشعور بالمسؤولية تجاه مصير البلد يستدعي التنازل والوقوف أحيانا على الرصيف وتخفيف حدة المواقف.
 علاوة على أن يكون مفهوم السلطة ليس "التسلط" والانفراد في صناعة القرار وإنما في أن السياسي في البرلمان أو في السلطة التنفيذية لايعدو عن كونه (موظف) أناطه الناخبون فرصة لتسيير شؤونهم لفترة محددة من الزمن. وطبعا هذا لاينفي وجود قيادات تتحلى بالحكمة والرؤية الصحيحة وتهبّ كل مرة لإطفاء الحريق من اجل إخماد شرارته قبل أن تنتشر إلى بقاع أخرى، وسيذكر التاريخ العراقي هذه الشخصيات باعتزاز واحترام.لقد تكهن الكثير أن تركة انهيار النظام الديكتاتوري المستبد بالنسبة للعراق ستكون فادحة ولكنهم لم  يتوقعوا أن النظام الذي أعقبه سوف يزيد من الفداحة ويعمقها، ويبدد كثر الآمال التي كانت معقودة على التغيير ووصول بديل  سياسي منتظر منذ عشرات السنوات يبني الدول العراقية العصرية والمتحضرة التي تعمل من اجل مواطنيها وتخلق الأجواء للحياة الكريمة، وتضع البلد على طريق التطور الاقتصادي والاجتماعي وتؤسس لستراتجيات بعيدة المدى في هذا الاتجاه لمحاصرة التحديات التي يواجهها البلد وإنعاش الإنتاج الصناعي والزراعي.إن العملية السياسية وقفت حتى الآن على خيار نظام سياسي قائم على المذهبية والطائفية والعشائرية وهنا يكمن لغم نفسها في أية لحظة،وتجلت هذه الظاهرة على  مستويات الدولة  كافة اعتبارا من التشكيلة الوزارية حتى الإدارات المحلية، وقد وضع هذا الخيار العراق أمام طريق مسدود وجعل العملية حركة تعيش أزمة مستدامة ومن دون آفاق. وقد جرى الالتجاء إلى هذا الخيار ليس انطلاقا من الحرص على إحلال الاستقرار وعدم غمط جميع مكونات المجتمع وإنما لأنه يصب في مصالح أحزاب وشخصيات مازالت تنظر إلى السلطة على أنها تسلط ومصدر إثراء ومد النفوذ والتسلط على الآخرين وليس وظيفة مؤقتة لخدمة الأمة يعمل بها المسؤول وفق عقد اجتماعي. إن هذا الخيار في نهاية المطاف هو بمثابة استمرارية لجوهر أنظمة الحكم التي تعاقبت على العراق ولم ينجح في حل مشكلة القالب السياسي المناسب فعلا للعراق، فحكمت على نفسها بنفسها على الموت والذهاب إلى مزبلة التاريخ. ويبدو أن وعي الساسة لم يرتق بعد إلى البحث عن ذلك البديل المناسب الذي تشعر فيه كافة مكونات سكان العراق بأنها فاعلة ومشارك حي في العملية السياسة .  ويساور غالبية المهتمين بالشأن العراقي الشك بإعلان الرئيس باراك أوباما عن أن الحرب وضعت أوزارها  في العراق، أو بالأحرى أنهم يفهمون إعلان الرئيس الأمريكي أن صفحة منها ستنقلب، صفحة الوجود الأمريكي الكثيف في العراق منذ 2003، ولكن الجميع يعرف أن كثراً من الأجندة مازالت مفتوحة وان هناك كثيراً من الألغام قابلة للانفجار.  المنحى الطائفي مازال هو الأقوى في سير العملية السياسية،إذ إن النظام السياسي القائم لم يتجاوز طبيعة أنظمة الحكم التي سبقته، وهو في كثير من المقاييس استمرار لها، والخلاف في انه يستمد شرعيته من انتخابات عامة جرت في ظروف غير طبيعية وأعطى الناخب صوته ليس انطلاقاً من مصالحه المهنية والمدنية والاقتصادية وإنما -في الأغلب- على أساس الانتماء المذهبي الطائفي، مما خلق شرخاً عميقاً في جسد المجتمع العراقي يهدد بانقسامه وهذا ما تؤكده مطالب المحافظات بالتحول إلى أقاليم في الفيدرالية، الذي يجر خلفه من احتراب وخلاف على الحدود الإدارية وتوزيع الصلاحيات بين المركز والأطراف، وصناعة القرار. إن قضية السلطة بالعراق لم تحسم بعد. فعلى الرغم من أن الدستور وضع الخطوط العامة للنظام السياسي وحدد صلاحيات كل مؤسسة في الدولة إلا أن الصراع مازال دائرا، وتحول إلى عائق لأن تؤدي الحكومة والبرلمان والقضاء أدوارها المطلوبة. والاعتماد على ما يسمى بالديموقراطية التوافقية كحل ناجع لإيجاد الطوائف والقوميات والأديان كافة مكانها في إدارة الدولة، لم يسفر عن النتائج المطلوبة، وتواصل كل الأطراف المندمجة في العملية السياسية الكفاح المرير بينها للإطاحة بالأخرى والاستحواذ على فضاء أكبر لمد سلطتها ونفوذها على حساب الآخرين، وراح كل طرف يقف عائقاً أمام مبادرات ومساعي الآخر لتكون «إكسير» الاستقرار والأمن.  إن القوى التي تمارس الإرهاب كوسيلة للاستحواذ على السلطة وإضعاف القوى التي تتمسك بها، مازالت تمتلك القدرات الكافية لزعزعة الاستقرار، وزرع الفتنة وإشاعة الفوضى في البلاد. ويعزز قوتها الاغتراب القائم بين النخبة الحاكمة والمجتمع. كل هذه وغيرها عوامل تجعل من المستحيل القول إن الحرب وضعت أوزارها وإنها ستكون حرباً مستمرة بمختلف الأشكال.rn إعلامي من العراق يقيم بموسكو

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

كاريكاتير

كاريكاتير

ميثم راضيميثم راضي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram