لينا مظلوم *ينتظر العراق في الفترة المقبلة تحديات وتداعيات عديدة في الوقت الذي تنفذ فيه القوات الأميركية آخر مراحل انسحابها من العراق نهاية هذا الشهر. وتأتي الزيارة الأخيرة التي قام بها رئيس الوزراء نوري المالكي إلى واشنطن لدعم سلطته في العراق تزامنا مع الانسحاب ومحاولة تبديد شكوك إثارتها بعض المواقف والتصريحات من طرف الحكومة العراقية.
موقف المالكي في هذه المرحلة يبدو اقرب إلى وقفة سياسية تستدعي جملة شهيرة كانت تطبع على الدفاتر المدرسية تحث التلميذ على فضائل الأخلاق ومنها(أفلح إن صدق)دلالة على فضيلة الصدق..والحقيقة أن الاختلاف مع المالكي لا يجرد الرجل من (موهبة ) إجادة لعبة المناورات والتحالفات السياسية، تجلت بداية في حسم نتيجة الانتخابات العراقية العام الماضي ، وإن كانت هذه(الموهبة) لم تلق بالاً للفرد العراقي وهمومه الحياتية بقدر ما وظفها المالكي في احتفاظه بالسلطة واستئثاره بكل المؤسسات الأمنية ضمانا للحفاظ على كرسي رئاسة الوزارة..ذات (الموهبة) أوقعت المالكي في دوامة تصريحات وصلت الى درجة إثارة سخرية المتابعين لما عكسته من تناقض في المواقف.. استخدم (عفريت) حزب البعث لوصم تظاهرات ساحة التحرير التي ضمت خيرة شباب ومثقفي ومبدعي العراق اعتراضا على هدر كرامة الإنسان العراقي..إذ كيف يطلب من شعب تقبل حقائق مثل كون العراق – أغنى دول المنطقة العربية! وفقا لتقرير منظمة (الشفافية الدولية) هو أكثر الدول العربية فسادا ..ويأتي ترتيبه في تطبيق معايير النزاهة والشفافية في آخر القائمة..كما يعلوه جميع الدول العربية في معدلات النمو الاقتصادي وفي متوسط دخل الفرد ..كما اعتبرت بغداد أسوأ العواصم للمعيشة!! تغيرت بغداد من عاصمة الرشيد ..مهد الحضارة والفنون والثقافة الى ساحة للعنصرية والتطرف وتهديدات التقسيم التي تطالعنا بين الحين والآخر.. نفس (عفريت) البعث استخدمه المالكي مؤخرا في القبض على أكثر من 600 عراقي بتهمة الانتماء الى حزب البعث ..دون أن يعلن للرأي العام - وهي إحدى سمات الديمقراطية التي يتغنى بها المالكي- الأدلة التي تثبت تورط هذه المجموعة في عمليات تخريبية..وهل المطلوب ديمقراطيا أن نصدق أي كلمة يعلنها المالكي مرددين( آمين)..؟!تبدل موقف المالكي من الثورات العربية يدعم سياسته المفضلة في مناورة كل الأطراف من دون واقع ملموس يعكس استقلالية حكومة تدعم مصالحها الوطنية..فقد انتقل عقب تظاهرات 25 شباط من الترحيب الى الهجوم..وطبعا كان لا بد من رضوخ الموقف الرسمي العراقي تجاه أحداث سوريا الى الضغط الإيراني عبر تصريحات حذرت من خطورة قيام حرب أهلية وصراعات داخلية في حال سقوط نظام بشار الأسد.. وبدلا من إعلان موقف يدعم التوجه الطائفي للقرار الرسمي العراقي.. كان الأجدى بالمالكي إبداء قلقه إزاء الوضع الأمني والسياسي الهش الذي يواجهه العراق تزامناً مع الانسحاب الأميركي ..كل الأسئلة(المفخّخة) تحت الرماد .. كانتقال الصراع السعودي- الإيراني لتصفية حساباته على الساحة العراقية-وهي سابقة حدثت عام 2003 مع دخول القاعدة وتنشيط خلاياها النائمة في العراق لتصفية الحسابات مع أميركا على ارض العراق كأرض مستباحة نتيجة للاحتلال الأميركي.. حاليا تتفاقم المخاوف إن تركت هذه الأرض للنفوذ الإيراني المطلق بعد انسحاب الشريك الأميركي. طبعا المالكي لا تفوته ممارسة لعبته التي يتقنها حين دعا ،تناغما مع رحلته الأخيرة الى واشنطن، الشعوب العربية الى تحمل مسؤوليتها في ردع الحاكم الجلاد، مناقضا موقفه السابق من الثورة السورية..وهو الملف الذي شهد جدلا في اللقاءات المغلقة بين أوباما والمالكي.. المقال الذي حمل توقيع المالكي ونشر قبل زيارته في جريدة الواشنطن بوست..حافل بالأماني والوعود الوردية عن مساعي المالكي وحكومته في بناء عراق نحلم به ولا يلمسه حاليا أي فرد عراقي.. وهنا يعود السؤال .. هل تدخل مقولة(افلح إن صدق) ضمن بنود معادلات المالكي السياسية ؟.. قطعا داخل العراق التحديات أمامه خطيرة وعديدة..والنذر ليست مبشرة..ربما يستوعب المالكي الدرس ضمن نتائج الثورات العربية..إن الصداقات مع (الحليف القوي) لا تدوم كضمان لترسيخ سلطة..هي مجرد جسر تعبر عليه مصالح الطرف الأقوى.. ايضا ليس من الحكمة المراهنة على خنوع الشارع العراقي واستمراره في مرحلة الغليان دون الانتقال الى مرحلة الانفجار..أخيراً بعد ان كسب المالكي رضا جميع الأطراف المحورية والمؤثرة في المشهد العراقي لترسيخ بقائه على رأس الوزارة.. يبقى التحدي المطروح أمام هذه الحكومة - إذا كان أفرادها داخل المنطقة الخضراء يجيدون قراءة التاريخ والسياسة!!- لتحقيق هدف الاستمرار هو الالتفات إلى الوضع العراقي في الداخل والاستماع بجدية إلى مطالب الشارع.. سياسة مسك كل الخيوط بالتوازي قد تحقق نتائج مؤقتة.. لكنها حتما لن تمنع تصاعد الضغط في الشارع العراقي من مرحلة الغليان إلى حالة الانفجار.* كاتبة عراقية مقيمة في القاهرة
المالكي.. فوضى التصريحات
نشر في: 16 ديسمبر, 2011: 07:12 م