حازم مبيضيننتمنى أن يكون تأكيد شيخ الأزهر أنه لا يوجد في مصر أي فتنة طائفية، وأن المصريين، مسلمين ومسيحيين، يمثلون وحدة الوطن الواحد, غير أن هذا التأكيد يصطدم بحقيقة أن أحداث ماسبيرو شهدت عنفاً لا يمكن وصفه بغير الطائفي, ورغم تأكيد الكنيسة القبطية رفضها التظاهرات واستخدام العنف خلالها، فإن ما حدث شوه صورة الوحدة الوطنية التي برزت بأبهى حالاتها أثناء الثورة التي أطاحت حسني مبارك,
حين كان المسلمون يصلون في ميدان التحرير بحراسة مواطنيهم المسيحيين, الذين يؤكدون اليوم أنهم يواجهون قضايا لم تتجاوب الحكومة معها بعد الثورة, ومنها هدم كنيسة وإحراقها, دون أي تحرك إيجابي من الحكومة, وبما يعني أن القانون لا يطبق على الجميع بشكل متساو وبدون تمييز. بحسب الروايات فإن هناك جهة خارجية تلعب بورقة الفتنة الطائفية والصدام مع الجيش, فالمتظاهرون لم يحملوا أسلحة, والإصابات القاتلة كانت برصاص لا يستعمله الجيش, وهنا تكمن خطورة تحميل المسؤولية لجهة مجهولة وبمعنى إمكانية تكريرها على يد بلطجية مستأجرين في حين تتهاون الحكومة في فرض سيادة القانون على مسببي الفتنة سواء كانوا مسلمين أم مسيحيين, ويستذكر الأقباط أن رئيس الوزراء عصام شرف أقسم أمام تظاهراتهم عقب أحداث إمبابة بإقرار قانون دور العبادة بعد شهر، لكنه لم ينفذ شيئا حتى الآن, علماً بأنه منذ أربعين عاماً تتكرر الحوادث الطائفية بسبب مشكلة بناء الكنائس، في بلد ربما كان الوحيد في العالم الذي يحتاج ترميم كنيسة فيه إلى قرار جمهوري.يرى المراقبون أن تظاهرات المصريين تأتي في إطار نمو الوعي الحقوقي لدى جميع فئات المجتمع بعد الثورة، ومن بينهم الأقباط, وكان منتظراً من الحكومة التعامل مع تلك التظاهرات باعتبارها شيئاً عادياً، غير أن غياب الوعي أسفر عن الصدام الذي تطور إلى العنف, والمطلوب اليوم أن تستعيد السلطات الوعي بأن تظاهر الأقباط شيء طبيعي, وأن عليها العمل على حل مشاكل الأقباط أسوة بالفئات الأخرى, كالسلفيين والإخوان وغيرهم من التيارات السياسية, و ضرورة محاسبة المتورطين في استخدام العنف ضد المتظاهرين السلميين، والإسراع بإصدار قانون يراعي حق الأقباط في ممارسة شعائرهم بحرية, ووضع حلول جذرية للأزمة الطائفية، دون الاستمرار في دفن الرأس في الرمال والزعم بانتفاء مخاطر الفتنة الطائفية. معروف أن نظام مبارك, ظل يماطل ويسوف في إصدار القانون الموحد لدور العبادة، خشية إثارة غضب المتعصبين الإسلاميين, الذين يبدو أن نفوذهم ازداد اليوم, لكن المطلوب اليوم تجاوز الأزمة بإصدار قانون لبناء الكنائس، دون الحاجة لموافقات المحافظين أو رئاسة مجلس الوزراء، وبحيث يتم البناء حال استيفاء الشروط, إضافة لضرورة تفعيل بنود قانون العقوبات بشأن التحريض على الفتن الطائفية والكراهية والعنف, والتي تصل عقوبتها إلى السجن المؤبد أو الإعدام, إذا ساهم التحريض على الفتن في حدوث جرائم قتل وإراقة دماء, علماً بأن عدم محاسبة المسؤولين عن حوادث مشابهة حدثت في الماضي, يشجع مرتكبيها على تكرار فعلتهم بوسائل أكثر عنفاً, خصوصاً وأن الشحن الطائفي تزايد بعد الثورة, لاسيما مع تصاعد التيارات الدينية, والبحث عن دور سياسي يوصل إلى السلطة, دون الاهتمام بحل المشاكل الداخلية العميقة. في بلد يشكل فيه الأقباط أكبر وأقدم الطوائف المسيحية في الشرق الأوسط, ويقدر عدد أفرادها بعشرة ملايين شخص, يشكون من ضعف تمثيلهم في مؤسسات الدولة, ومن تشريعات تحد من حرية العبادة, في حين يتزايد التشدد المتعصب ضدهم, لابد للسلطات أن تتخذ كل التدابير لوأد الفتنة الطائفية, دون الركون إلى مقولات باستحالتها.
في الحدث:مصر والفتنة الطائفية
نشر في: 11 أكتوبر, 2011: 07:12 م