محمد صادق جراد غابت الديمقراطية عن المشهد العربي بغياب الدولة المدنية والمجتمع المدني المتنوع أيدلوجيا وفكريا والاقتصار على فكر الحزب الواحد الذي يسعى إلى ضرب الآخر لمجرد الاختلاف في الرأي أو الدين أو الطائفة والقومية ،حيث تسببت هذه الأفكار بتراكمات سلبية ورسّخت مفاهيم خاطئة روّجت لانتماءات ضيقة وخلقت صراعا بين مكونات المجتمع الواحد ما لبثت أن برزت بقوة بمجرد سقوط الأنظمة الاستبدادية في ظل الربيع العربي .
لذلك بقيت المجتمعات العربية بعيدة عن التحولات الديمقراطية التي شهدها العالم المتقدم لفترة طويلة حتى بدأ التأثير الدولي والضغوطات الغربية على الأنظمة الدكتاتورية من أجل إحداث إصلاحات جديرة بتكريس الديمقراطية بعد أن شعرت أميركا ودول الغرب بأن الأنظمة الاستبدادية وسياساتها تنتج وتساعد على إنتاج ظواهر سلبية كثيرة أهمها:التطرف والتعصب الذي يذهب باتجاه صناعة الإرهاب ودعمه ما يشكل خطرا كبيرا على الجميع .ولقد استجابت الأنظمة في المنطقة العربية لضغط الرأي العام الدولي للقيام بالتحولات الديمقراطية وقامت بإحداث تغيير شكلي بما لا يتضارب مع مصالحها ،الأمر الذي جعل السلطة تنظر إلى مسألة الديمقراطية على أنها بضاعة مستوردة تفرضها أمريكا والغرب على الواقع العربي ويجب تقديم التنازلات في سبيل إحداث تغيير سطحي لايمسّ حقيقة السلطة ولم تنظر إلى المسألة على إنها من متطلبات المجتمعات الضرورية .ولذلك فإن المجتمعات العربية لعقود طويلة ولحد اليوم لم تكن تعيش تحولا حقيقيا وأصيلا نحو الديمقراطية , وكأن حلم الديمقراطية فيها عبارة عن حمل كاذب طال انتظاره . وحتى الدول التي نجحت في إسقاط أنظمتها في ظل الربيع العربي لم تتمكن لحد اللحظة من تحقيق حلم الديمقراطية لأنها ستصطدم بعقبات كثيرة منها :طبيعة البناء الثقافي والاجتماعي الخاطئ وضعف الوعي الديمقراطي لدى المجتمع والسلطة على حد سواء وتراكمات العقود بل القرون الماضية من الاستبداد ،فضلا عن موروثات الأنظمة الشمولية التي حرصت على تكريس الانتماءات الفرعية بعيدا عن مفاهيم المواطنة الحقيقية .وهذا ما تجلى في الحالة العراقية عبر التجربة الديمقراطية التي تواجه الكثير من التحديات والتي بدأت بالاقتتال الطائفي ووصلت اليوم إلى الصراعات والتناحرات السياسية ،ما يؤكد أن التحول نحو الديمقراطية ليس أمرا سهلا بل هي عملية ذات مخاطر جمّة على المجتمع والدولة معاً قد تكلفها الكثير من التضحيات والخسائر التي تصبح مقبولة مقارنة بالنتائج الايجابية التي ستتحقق معها ،وأهمها تحقيق كرامة وحرية المواطن ما سيدفعه نحو الشعور بالمسؤولية وتنمية روح المواطنة والالتزام بالمصلحة الوطنية العليا بعيداً عن المصالح الأخرى .أسئلة كثيرة تطرح نفسها اليوم ..هل يمكن للديمقراطية إن تنمو وتزهر في صحراء العرب ؟ وهل من الممكن توليد الديمقراطية في أنبوب اختبار غربي يعمل على مساعدة المجتمعات العربية على تحقيق أحلامها .تساؤلات كثيرة يطرحها اليوم المواطن العربي الذي يتابع التطورات في المشهد العربي، ولقد اكتشف إن الأصنام حين تتهاوى لن تترك أدنى مقومات الدولة التي يمكن أن تكون أساسا لنجاح التجربة الديمقراطية في هذه البلدان التي اكتشفت شعوبها بأنها بحاجة لوضع الأسس الصحيحة للبناء الديمقراطي من خلال الترويج لثقافة جديدة وقيم ومفاهيم قد تكون غريبة على واقع الإنسان العربي لتحل محل المفاهيم والتراكمات الموروثة. ومن جانب آخر يجب أن نوفّر الأسس الدستورية والقانونية اللازمة لنجاح التجربة ،وفي مقدمتها الدستور الذي يجب أن يكون الإطار الذي يحدد الممارسات والاستحقاقات والحقوق والواجبات بما يتلاءم مع طموح الجماهير وأحلامها في تكريس الديمقراطية .
عوامل ترسيخ الديمقراطية العربية
نشر في: 11 أكتوبر, 2011: 09:07 م