عبد الخالق كيطان السيّد أحمد الجلبي شخصية غنيّة عن التعريف. هو أحد قلائل، زمان معارضة الديكتاتورية، استطاعوا تكوين "لوبي" عراقي في أروقة الإدارة الأميركيّة ما نتج عنه "قانون تحرير العراق" الذي شنّت بموجبه حرب إسقاط نظام صدام. كان الرجل في أيام المعارضة تلك رمزاً من رموز الليبرالية الوطنية.
ومع بدء الربيع العربي كشف الساسة العراقيون كلاّ عن حقيقته. فالذين أيّدوا ما حدث في تونس ومصر وليبيا كان تفاعلهم أكبر بكثير بما يحدث في البحرين، وهؤلاء وقفوا بشراسة ضد ما يحدث في سوريا.. هذه المواقف عكست صورة فاقعة عن زيف شعاراتهم. الحرية والديمقراطية لا تفصّلان على مقاسات هذا الزعيم أو ذاك، فأنت إما تقبلها كلها أو لا تفعل. المؤسف أن الكثير من ساستنا يرحبون نهاراً جهاراً بما يحدث في دول عربية معينة ويدينون ما يحدث في دول أخرى بالرغم من أن شعار المحتجّين السلميين في مختلف هذه البلدان هو واحد. لا يمكن أن يكون الزعيم مؤمناً بقيم أخلاقية معينة يطبقها في حالة ويرفضها في حالة أخرى. كان ساستنا ينتقدون النخب العربية لأنها تعاملت مع الملف العراقي بهذه الطريقة على مدى سنوات. والنخب العربية ذاتها كانت تنتقد تعامل الولايات المتحدة الأميركية بخصوص قضايا تحرّر الشعوب بمكيالين، واحد ينطبق على الجميع والثاني ينطبق على إسرائيل فقط.وأعود إلى الدكتور أحمد الجلبي، الذي تقول الأنباء أنه شارك في "مؤتمر تضامني" عقد مؤخراً في بيروت برعاية "شبه رسمية" من قبل حزب الله، وهدف المؤتمر "نصرة البحرين". ولأننا نؤمن بحق الشعوب كلها في نيل حريتها والتوق إلى حياة كريمة بلا استبداد أو تمييز، فإن مؤتمر بيروت أثار عجبنا، والسبب طائفي محض. السيّد الجلبي لم يعرف عنه خلال الشهور الماضية أن قام بالمشاركة بمؤتمرات مماثلة حول الأوضاع في تونس ومصر وليبيا واليمن، ناهيك عن سوريا.. فلماذا البحرين بالذات؟ سؤال يحيلنا إلى مسألة التعامل المزدوج مع أحداث الربيع العربي. والبحرين، التي تشهد مظاهرات ينظمها "شيعة" ضد نظام الحكم الملكي "السني"، كانت تدرّجت مطالب المتظاهرين فيها خطوة خطوة حتى وصلت إلى أن دعا بعض أقطاب المعارضة فيها علناً إلى إسقاط النظام. العجيب في أن يبادر زعيم عراقي ليبرالي إلى رمي ثقله كله وراء المظاهرات البحرينية في الوقت الذي لا نسمع له صوتاً بخصوص ما يحدث مع أشقاء في بلدان أخرى يجري التنكيل بهم بطريقة دموية يومية بما لا يقاس والحالة البحرينية... فما هو تفسير ذلك؟من الواضح إن المعركة الطائفية في المنطقة مرشحة إلى التسخين المستمر، والدليل هو في ذلك التجاذب بين الدول الإقليمية بخصوص الأحداث في البحرين وسوريا واليمن. هذه البلدان تضم طوائف مختلفة من المسلمين، على العكس منه في حالات مصر وتونس وليبيا. ولقد سارع القادة العراقيون إلى مساندة تظاهرات هذه الدولة وإدانة تظاهرات تلك تبعاً للمصالح الطائفية، وليس أي مصالح أخرى. الأمر الذي يعطي دليلاً قاطعاً على طبيعة الصراع الطائفي الذي نحن مقبلون عليه.لقد جرّب العراق الحرب الطائفية، وهنالك من يريد لبلدان المنطقة أن تجرّب هذه الحرب.. ولكن، لماذا يسعى المحسوبون على الليبرالية إلى مثل هذه الامور؟
عين :فـي بيروت
نشر في: 12 أكتوبر, 2011: 07:26 م