TOP

جريدة المدى > مقالات واعمدة ارشيف > تلويحة المدى: الموقف الزائف من التراث

تلويحة المدى: الموقف الزائف من التراث

نشر في: 14 أكتوبر, 2011: 05:39 م

 شاكر لعيبينحن نعود للتراث لكي نطرح عليه أسئلة تهمّ عالمنا المعاصر لعلنا نجد إجابة في ثناياه على ما كان يقول هنري لوفيفر. لو أننا قاربنا عودتنا للتراث مع عودة الأوروبيين لتراثهم لوجدنا مفارقة حقيقية بين احترام أوربي للإرث اليوناني والإغريقي وارتباك عربي يصل الآن حدّ الاستخفاف.
 الأعمال الأوروبية المكتوبة سنوياً من طرف كبار الباحثين والفلاسفة والشعراء الأوروبيين عن اليونان تفوق نوعاً وكماً ما يكتبه العرب عن إرثهم. وفي حين يظل التراث الأوروبي مجالاً ثقافياً محترماً عاماً للأجيال والمشارب الأوروبية كلها، فإنه عربياً يبقى محصوراً في الأوساط الأكاديمية الباردة أو يُعتبر رديفاً للتخلف و"الماضوية" ومعاداة الحداثة. لذا تجد مثقفينا يهتمون بأرسطو وليس بابن رشد، انطلاقاً من مفارقة حادة رغم قِدَم أرسطو وتعلم الغرب له على يد ابن رشد. في منظومة المفاهيم التي أحاول تطويرها أفرِّق بين "الماضي" و"الماضوية". الماضي جزء من وعي الحاضر بينما الماضوية فهي البقاء في وعي الماضي. الحداثة إذنْ لا تنفي الماضي الثقافي بحال من الأحوال بل تضعه في صلب انشغالها بعينٍ جديدة. العديد من الأعمال التراثية لها علاقة بحاضرنا الثقافي. سأقدّم أمثلة اشتغلتُ عليها: يقدّم ابن فضلان منذ القرن العاشر الميلادي نواة لبحث أنثروبولوجي من جهة، وسردي ممتع من جهة أخرى. وفي رحلته ثمة درس عن العلاقة مع "الآخر" ما زلنا بحاجة إليها. أما أنطولوجيا البيت الواحد التي اشتغلَ على أمثالها آخرون في العصر العربي الحديث، وفي التراث العربي، فهي تتقدّم بصفتها درساً آخر عن إمكانية العثور على "جوهر الشعر" في إطار الحكمة والاستعارة، أو الاستعارة المُحْكَمَة التي تؤدي إلى حِكْمَةٍ معينة، وهو درسٌ ما زال قائماً وتبرهن عليه هذه العودة المحمومة الراهنة للكتابات الشعرية التي تسمّي نفسها، بخفّةٍ، هايكو، بل تبرهن عليه كتابات "الستيت status" في الفيس بوك. وفي ما يتعلق بأبي العبر الهاشمي الذي اعتبره أول سوريالي، فإن درسه يتطابق دون شك مع الدرس السوريالي الحديث المعروف على نطاق واسع من جهة، ومن جهة أخرى لا يتطابق مع وضع شعراء عبثيين، مضحكين كما جرت العادة في قراءته قديماً وحديثاً.لقد أفادتْ كذلك الملاحظات عن المقدسي الباحثين الفلسطينيين في سجالهم المرير بشأن عراقة بلدهم المحتل وحضور الصفة الوطنية "فلسطيني" التي يعتز بها المقدسي منذ وقت بعيد. وقد أشاروا مراراً إلى المقدمة التي كتبتُها لما اقترحتُ اعتباره "رحلة قام بها المقدسي" وهو كتابه الشهير "أفضل التقاسيم في معرفة الأقاليم". في دراستي الطويلة عن رحلتي أبي دلف الخزرجي إلى الصين وأرمينيا وآسيا الوسطى، ثمة متعة البحث الصافية والتنقيب الأثري في حفريات أسماء العلم الصينية مثلاً وإعادة تتبع المسار الافتراضي لرحلة عمرها ألف عام، ناهيك عن أهمية البحث الحديث في علاقة العالم العربي بالصين التي تبرز اليوم قبل أي وقت مضى أهميتها السياسية والاقتصادية والثقافية. سأغض النظر الآن عن المفاهيم التي تطرحها رحلة ابن بُطلان، الطبيب النسطوري العراقي، التي صنعتُها، لأنها من الوضوح بمكان: الصراع بين الظلامية والسلفية والوعي العلمي التجريبيّ الذي كان يمثله ابن بطلان.نحن إذن في راهنيةٍ ما تطرحها تلك الأعمال- الأمثلة على طريقتها، وهي لا تخرج عن بعضٍ من أكثر همومنا إلحاحاً.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

حياتي وموت علي طالب

حياتي وموت علي طالب

غادة العاملي في لحظة تزامنت فيها الحياة مع الموت استعدت ذكريات عشر سنوات ،أو أكثر .. أختصرها الآن في ذاكرتي بالأشهر الثلاثة الأخيرة. حينما اتفقنا أناقرر هو أن يسافر ملبيا الدعوة التي انتظرها لأكثر...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram