حازم مبيضينمن الواضح أن إعلان واشنطن عن إحباط مؤامرة إيرانية تستهدف السفارة السعودية, لا يعني أن الجيش الأميركي يستعد لعملية عسكرية ضد إيران, بقدر ما يعني تشديد وزيادة العقوبات ضدها, مع إدراك أنها تواجه أوضاعاً مفاجئة في المنطقة نجمت عن الربيع العربي, الذي يبدو أنه لن يتوقف عند الناطقين بلغة الضاد وحدهم,
وهو يحاول بنسائمه الساخنة اختراق جدران الدول المجاورة, وفي المقدمة منها الجمهورية الاسلامية, التي يواجه قادتها معارضة ضخمة, جرى قمعها بالعنف حين نزلت إلى الشارع للاحتجاج على انتخاب نجاد مجدداً للرئاسة, والمؤكد اليوم أنها تتحين الفرص للنزول ثانية, ليس بهدف إطاحته فحسب, وإنما لتغيير جذري في سياسات طهران تجاه المنطقة والعالم. يبدو غريباً أن تعلن وزيرة الخارجية الأميركية عن قلقها, بشأن احتمال حدوث تصعيد بين السعودية وإيران, وتأكيدها أن لا أحد يسعى لإشعال نزاع كبير في المنطقة, وأن الأمر لن يتعدى محاسبة إيران لإفهامها أن علاقاتها مع المجتمع الدولي, وقدرتها على التعاطي الإيجابي مع بقية دول العالم ستعاني بسبب هذا التصرف، وكل ذلك من خلال فرض مزيد من العقوبات الاقتصادية والضغوط الدبلوماسية على طهران، رغم قناعة واشنطن بأن هذه المؤامرة تمثل انتهاكاً فاضحاً للمعايير والأخلاق والقوانين الدولية, مع ضرورة محاكمة المسؤولين عنها, والتأكيد على الشراكة الصلبة بين السعوديين والأميركيين.يفترض البعض براءة قيادة النظام في طهران من التهمة، ويحاولون إلصاقها بالحرس الثوري الذي لم يكن يفكر باعلان مسؤوليته عن العملية, وكان يخطط لإلصاقها بالقاعدة, التي كانت ستعاجل بغباء لتبني العملية, على أمل استعادة موقعها الذي فقدته عند الجماهير العربية, الرافضة لسياسات واشنطن المنحازة إلى إسرائيل, غير أن انكشاف الأمور بهذا الشكل, يضع الحرس الثوري في مواجهة الشارع الايراني الرافض لقيادتهم سياسات البلد, بعد النجاح في إقصائهم بموجب الدستور في عهد الرئيس رفسنجاني، حين فصلت وزارة الخارجية تماماً عن الحرس الذي كان يسيطر عليها، ويحلم بتصدير الثورة, ويستغل الوضع الدبلوماسي للقيام بعمليات عنف في الخارج لصالح الثورة.حتى وإن كانت المستويات العليا في النظام الإيراني ترفض استهداف السفارة السعودية, فإنه يستحيل عليها أن تعترف بضلوع الحرس فيها، لأن ذلك يعني بكل بساطة اعترافاً واضحاً وصريحاً ومباشراً, بأن قائد الحرس هو الحاكم الفعلي للبلاد, وهو قادر على القيام بمغامرات تزيد من عزلة إيران, مع أنه كان يستهدف توجيه تحذير واضح للرياض وواشنطن, لا يمكنهما الرد عليه، إضافة إلى زرع الشكوك بين السعودية وأميركا, وبما يضعف الموقف السعودي ضد التمدد الإيراني المذهبي, الذي تلقى ضربات موجعة في البحرين وسورية، وبما يعني أن الأرباح الناجمة عن هكذا عملية تستحق المخاطرة رغم خطورتها. وإذا كان البعض يرى أن الكشف عن المؤامرة ضد السفارة السعودية في واشنطن وفي هذا التوقيت بالذات, يستهدف إشغال إيران عن ما يجري في سوريا, فان الخطورة تكمن في أن ذلك يعني عملاً عسكرياً وشيكاً ضد النظام السوري قد تشترك فيه أطراف إقليمية, شريطة أن تبقى إيران على الحياد ومعها بالطبع الموقع المتقدم للحرس الثوري في لبنان بقيادة حزب الله.
في الحدث: واشنطن الرياض طهران إلى أين؟
نشر في: 14 أكتوبر, 2011: 06:23 م