حازم مبيضين جميل أن يلتفت سياسي عراقي مؤخراً ومتأخراً إلى التحديات التي يواجهها العراق, جراء الانتفاضات والثورات الشعبية في المنطقة, وانعكاساتها على بلاد الرافدين, التي ما زالت تعاني جروحاً عميقة, وتنزف دماً بشكل يومي, بسبب انعدام قدرة قوى الأمن على ضبط الأمور, وهي في الوقت نفسه تواجه معضلة إنجاز المصالحة الوطنية,
وتحقيق الأمن الاجتماعي وتتعثر في تجربة البناء الديمقراطي, إضافة إلى تحدي الفوضى الاقتصادية, وانهيارات الصناعة والزراعة والتجارة, وعشوائية التعليم والصحة, والخلل في منظومات الكهرباء والمياه والخدمات, والتضخم والبطالة العامة, وكل ذلك يمتلك قاعدة داعمة, تتمثل في آفة الفساد باعتباره كارثة تمزق العراق, المبتلى بجرثومة الطائفية والعرقية, والمحتاج فوراً إلى إصلاح الملف القضائي والأمني والاقتصادي, وإجراء التوازنات الدستورية والوطنية, وتثبيت الحريات وحقوق الإنسان وتطوير القدرات البيروقراطية.هذا الكلام الجميل والذي " يعبي الراس " صادر عن رئيس مجلس النواب, الذي قبل برحابة صدر قرار هيئة الحج والعمرة تخصيص 640 مقعداً للنواب لأداء فريضة الحج, وبما يعني حكماً تعطيل المجلس لمدة 40 يوماً, وهي غير محسوبة من إجازات النواب, يعودون بعدها لبحث ملفات مهمة تتعلق بمصير المفاوضات حول إبقاء مدربين عسكريين أميركيين، وحسم الوزارات الأمنية والتحقيق بملفات فساد، والاتفاق على النظام الداخلي للمجلس الوطني للسياسات العليا, وميناء مبارك الكويتي, وقوانين النفط والغاز, ومجلس القضاء الأعلى والمحكمة الاتحادية العليا، وهي قضايا مثار خلافات واسعة بين الكتل السياسية، قد يؤدي عدم الاتفاق حولها إلى جرّ البلاد إلى مرحلة اضطراب جديدة, والمؤكد أنها ملفات كانت بحاجة إلى الحسم من نواب الشعب, قبل التسابق لأداء فريضة أباح الشرع تأجيلها, إن كان هناك ما يحتاج للإنجاز قبلها, بما في ذلك قضاء الدين وتزويج الولد. في ظل أوضاع كهذه, مضافاً إليها تدهور حالة الأمن, يبدو على حق كل من يتظاهر مطالباً بتغيير الحكومة, وحل مجلس النواب, واتخاذ اجراءات حاسمة لمكافحة الفساد والبطالة والمحاصصة في إدارة الدولة, وللمطالبة بالخدمات والأمن ومعاقبة اللصوص, سواء كانوا يسرقون المال, أو يسرقون الوقت الثمين الذي يقبضون ثمنه دون أن يكرسوه لخدمة الوطن والمواطنين, وليس غريباً أن نجد بين المتظاهرين من يطالب بضم الكويت إلى العراق, معتبرين بناء ميناء لها تجاوزاً على السيادة العراقية, وخنقاً للموانئ العراقية الجنوبية يلحق أضرارا فادحة بالاقتصاد العراقي, كما أنه ليس مستغرباً أن يرفض خطيب جمعة بقاء أي من القوات الأميركية في العراق بصفة مدربين, ويطالب بتطبيق الاتفاقية الأمنية العراقية الأميركية الموقعة عام 2008 , وانسحاب كامل القوات الأميركية من البلاد بنهاية العام الحالي 2011, ولا ندري إن كان الشيخ الجليل يعرف مدى حاجة العراق لبقاء هذه القوات, بعيداً عن استجداء الشعبية التي ندرك أنها ستزول عند أول اهتزاز حقيقي لحبل الأمن, بعد فترة من الهدوء النسبي.حين يتخلى السياسيون وبضمنهم السادة النواب عن انجاز مهامهم, يكون من حق الشارع قول كلمته, حتى وإن لم يكن تنفيذها ممكناً, ويكون من حق خطيب المسجد التصدي لقضايا استراتيجية, تحتاج إلى عقول الساسة واجتهادات القيادات العسكرية, ويكون من حق محبي بلاد الرافدين التحسر على ما آل إليه الوضع في العراق بعد كل التضحيات التي قدمها أبناؤه لينعموا هم أو من يأتي بعدهم بالمواطنة في وطن يحترم كل أبنائه.
في الحدث :غـيـاب الـسـيـاسـيـين وحضور الشارع
نشر في: 15 أكتوبر, 2011: 08:53 م