عالية طالب في كل الصراعات والنزاعات التي عاشتها الخليقة، كان هناك طرفان واضحان ومعروفان يسميان المهاجم والمتلقي، وغالبا ما يصل الاثنان إلى المواجهة المباشرة ليجلسا على طاولة واحدة ويتفقا إما على شروط المهاجم أو رفضها وتحمل نتائجها، وكل هذا يجري تحت دائرة الضوء، ولا يمكن أن يكون المهاجم شبحيا إلا إذا أراد هو ذلك لأسباب تؤدي إلى نهايته سياسيا وايدولوجيا ووجودا إنسانيا. فما الذي يحصل بالعراق اليوم، ومن هم الأعداء والأصدقاء وما هي المصالحة الوطنية ومع من؟
دارت مؤتمرات ما يسمى بالمصالحة العراقية، اغلب أرجاء الكرة الأرضية، النرويج، اليابان، فرنسا، مصر، عمّان، العراق شمالا وجنوبا، وكلما انتهى مؤتمر منها أصدر المجهول المهاجم بيانا ليقول إنه ليس معنيا بما جرى وان من حضر لا يمثله وأن على من يريد تهدئة الحال أن يعرف مع من يتحاور!! وحين أعيت الجميع تلك اللقاءات مع من قالوا إنهم الأقوى وإن المجهول هم لا غيرهم برغم البيانات المتناقضة، استبدلت فكرة المؤتمرات إلى دراسات وبحوث مماثلة لنعرف كيف نقتدي بمن سبقنا من المتنازعين لنفعل ما فعلوا حين تصالحوا، وكيف انتهت أمورهم إلى بر الأمان، لكننا اكتشفنا تباعا أننا لا نستطع تطبيق تلك التجارب لاختلافات متعددة عراقية بحتة لا تتشابه مع تجارب الآخرين، وانتقلنا إلى مرحلة تحديد من علينا أن نتحاور معه حقا علّنا نعرف أو نستدل على ذلك المهاجم المجهول، وبالرغم من أن أغلبنا يعرف بوضوح أعمق الأسرار وأدقها إلا أننا غطينا وجه الحقيقة بغربال وادعينا أننا غير مهتدين إلى تشخيص من علينا أن نسألهم المصالحة ليتحقق الأمن والأمان جيدا.هل هم بعثيو العراق وسوريا، أم سلفيو السعودية واليمن، استعماريو أمريكا وبريطانيا، يهود الرأسمال العسكري، متشددو المذاهب من سنة وشيعة بين السعودية وإيران وجنوب وغرب العراق، سياسيو المعارضة الإعلامية الذين ينهون شتائمهم الفضائية بالقبلات والأحضان لمن عارضوهم، أم المستعرضون عضلاتهم علينا والذين ليس لهم غير كمال الأجسام المدهونة بالدماء؟ ضاعت علينا المسالك وأصبحنا فعلا كمن يستجير بالرمضاء من النار، فنارنا ورمضاؤنا من داخلنا ومن ارتباطاتنا بخارج الحدود العراقية وبصفقات السياسي العراقي الذي يريد هذا الحزب على ذاك وهذا المذهب على ذاك. وإذا ما أردنا أن نكون أكثر وضوحا من السياسي، فلابد لنا أن نشير إلى الاحتقان المذهبي الذي هو أساس كل الاحتقانات السياسية التي حاولت أن تزرع الفتنة مدنيا ففشلت وانتصر الإنسان العراقي عليها، وها هي تعاود الكرة بكل عنف وهي تعرف أن من سيدفع الضريبة هو المواطن البسيط الذي تسقط عليه كل نتائج المؤامرات السياسية داخلية وخارجية دون أن يكون له فيها ناقة أو جمل.
وقفة :مصالحة وطنية أم مذهبية إقليمية؟
نشر في: 17 أكتوبر, 2011: 07:47 م