علي حسينمازلتُ وتحت تأثير الفضول الصحفي الذي يرفض أن يفارقني أتابع صولة الصديق سرمد الطائي حول مشروع شركة "حنا الشيخ" مثلما تابعت صولات العديد من الزملاء الصحفيين والتي خاضوا فيها غمار أحداث ووقائع تهمّ الناس والحكومة، وفي كل هذه الصولات التي تعلو فيها قرقعة أسلحة الصحفيين أجد صمتا حكوميا مطبقا يجعلني أتساءل: لماذا لا تولي الحكومة اهتماما بما ينشر في الصحف،
لعل البعض يقول إن الحكومة استمدت الحكمة من عامة الناس الذين كانوا ولا يزالون يسخرون من الصحافة فيقولون: "حجي جرايد".لو كنت مقدماً نصيحة يوماً للسيد المالكي لاقترحت عليه متابعة ورصد وتحليل كل "حجي الجرايد"، سواء مقالات الكتاب أو الأخبار والتحقيقات أو تعليقات القراء التي تنشر، ليتمكن من قياس الرأي العام وتوجهاته، لكن هذه النصيحة ستواجه حتما بجدار من اللامبالاة والصمت، لأن الحكومة تريد أن تقرأ ما يرضيها ويعجبها، أما إذا شط الخيال بكاتب مثل زميلنا الطائي فان الرد الوحيد عليه هو اتهامه بتنفيذ أجندة أجنبية تريد المساس بأمن واستقرار هذا البلد، لقد شهد العهد الجديد للسيد المالكي ظاهرة انقطاع الصلة بين المواطن والمسؤول، وبين المسؤول والقوى السياسية والثقافية في البلد، اليوم لدينا إعلام يوجه أطنانا من تهم الفساد كل لحظة لغالبية المسؤولين كبارا وصغارا، لكن معظمهم يطبقون نظرية "الصبر على جار السوء إما يرحل أو يموت" وجار السوء طبعا هو الإعلام الذي يتركونه يتحدث كما يشاء حتى لو كان الفساد مقرونا بوثائق، وبعض الفاسدين يتبجحون علنا بفسادهم، ذكرني مشروع حنا الشيخ بمشروع آخر تقدم به احد المختصين في مجال الكهرباء، فالرجل عمل في إقليم كردستان واستطاع أن يحقق نسبا عالية من التجهيز للمواطنين ولحبه للبصرة قدم للحكومة مشروعا يعيد الكهرباء لهذه المدينة التي تعرضت ولا تزال تتعرض لظلم كبير، وحين اطلع احد المسؤولين الكبار على متطلبات المشروع وماذا يحتاج لتنفيذه وقعت عيناه على تفصيل صغير يحدد فيه صاحب المشروع نوعية الغاز الذي يجب أن يستخدم لإدامة هذه المحطات وكان طلبه أن يتم استيراد الغاز من قطر لأسباب فنية تتعلق بنوعية هذا الغاز.. مسؤولنا الكبير وضع اشارة "x" تحت كلمة قطر واستبدلها بإحدى دول الجوار، والسبب المعلن هو سهولة وصول الغاز وغير المعلن يعرفه الجميع فكان أن أجهض المشروع وعاد صاحبنا إلى إقليم كردستان وفي نفسه غصة ألم لأنه لم يحقق حلم أهالي هذه المدينة الطيبة.هذه واحدة من قصص كثيرة طرحها الإعلام وواجهت حالة من عدم الاهتمام وكأنها تجري في بلد آخر.اعرف وكما يعرف الآخرون أن ما ينشر في وسائل الإعلام هو بمثابة نافذة تتيح للمسؤول التعرف على اتجاهات الرأي العام، وشكواه، بعيداً عن التقارير البيروقراطية وآراء المستشارين الذين قد لا يملك البعض منهم شجاعة التعبير عن رأيه، وطرح ما يهم الناس من المشاكل والأزمات، لكن المتابع للحدث العراقي يدرك جيدا أن الإعلام غائب عن اهتمامات الحكومة، وان مكتب رئيس الوزراء لا يولي اهتماما لما يكتب في الصحف، تجاربنا مع الحكومة تؤكد أنها غير معنية بالإحصاءات التي تنشر عن معدلات البطالة والأرقام التي تتحدث عن أزمة السكن، ولاعن حجم الخراب في نظام التعليم، ولا عن التدهور الأمني الذي يطل برأسه بين الحين والآخر، ولا عن نقص الخدمات التي تعاني منها معظم المدن.واقع الحال يثبت مرة أخرى ان رئيس الوزراء لا ينظر لما حل بالوطن، وان الحكومة تغط في نوم عميق لا يمكن لاي صحيفة مهما حاولت ان توقظها، واننا نعيش عصر سياسيين شعارهم : لا اقرأ، لا اسمع، لا أرى.
العمود الثامن: هل يقرأ رئيس الوزراء الصحف؟
نشر في: 17 أكتوبر, 2011: 09:43 م