قيس قاسم العجرش صدّق بعض السياسيين عندنا ومنهم أسامة النجيفي أنهم يمثلون أطياف الشعب العراقي تمثيلاً نابعاً من أصل الطائفة ووفقاً للتقسيم الذي تقاسموا بموجبه "أنفال"الدولة العراقية وغنائمها .أي أنهم يصدّقون بالضبط ما افترضوه وروّجوا له من خطاب يقسّم العراقيين إلى مقاعد حسب الطائفة والعرق والدين واللون وهي كلها تقسيمات تأكل مثل الصدأ روحَ المواطنة التي تقوم عليها الأمم والدول.
صحيح أن منظّري عهد ما بعد الحداثة قالوا إن الدولة القومية بدأت تتلاشى في القرن العشرين لصالح دولة المصالح الفردية التي تربط المجموع، لكنهم أبداً لم يكونوا في معنى أن يأتي شخص عبر آليات الحصّة والتقاسم والغنيمة وبرم القوانين ليقول إنه يمثل الطائفة تمثيلاً حصرياً كأنه يتحدث عن امتلاك حقوق نقل مباراة تلفزيونية لأبطال الطائفة فلا يحق لنا أن ننقل إلا عنه.النجيفي يتحدث اليوم باسم الطائفة علانية ، كأنه فقيه في أمور الطائفة الدينية وشرائعها وهو أمرٌ اشكّ فيه كثيراً خاصة لم نسمع عن سيرته إلا انه كان مهندساً مثابراً في قطّاع الكهرباء وأصبح بعد انتخابه نائباً في القائمة المغلقة التي لم يعرف الناس تفاصيلها ،منافحاً عن الموصل تحت شعار العداء لكل شيء كردي في هذه المحافظة الجميلة بخلطتها المتنوعة .ربما يكون النجيفي قد وصل إلى غاية انتخابه نائباً في الدورة الثانية وهي زرع تلك الفترة الخطابية بامتياز.والنجيفي يبدو انه لا يحب التنوع ، بدليل الحديث هذه المرّة عن إقليم سُنّي يحفظ حقوق أبناء السُنة الذين يشعرون بأنهم مواطنون من الدرجة الثانية!!، هكذا حسب كلماته وأوصافه الأخيرة .ومن نكد الأيام علينا أن يقود شخص يحمل هذه العقلية البرلمان الذي يصنع القوانين ، إذ إن أي برلمان عاقل على وجه هذه الدنيا سيكتشف أن كلمات مثل هذه قد ترتقي بقائلها إلى فعل الطعن بحق السلم الأهلي والوحدة الوطنية .ببساطة، فإن ما يلتئم من جراح العراقيين يمكن أن ينفتق ويفيض دماً بغزارة مرة أخرى في لحظة "تجلي "طائفية يستمتع بها النجيفي دائماً أمام كاميرات الصحافة الأجنبية.إذا كان النجيفي يشغل مقعد رئيس السلطة التشريعية العليا ومع ذلك يعد نفسه و"قومه"في تقسيم مقيت للعراقيين ، يعدهم مواطنين من الدرجة الثانية ، فإن هذا التدني ، إن كان حقيقة كما يقول،سيكون هو شخصياً قد ساهم في صنعه حسب مسؤوليته في صياغة المشهد السياسي.النجيفي الذي يشخّص أن الدولة تعامل العراقيين من السُنـّة على أنهم مواطنون من الدرجة الثانية ، هو لم يقل هذا فحسب ، بل قال إن السنة يشعرون بأنهم من الدرجة الثانية، هذا الشخص لا يمكن أن يكون هو النجيفي رئيس البرلمان . وإلا أين صلاحياته؟ وأين إمكانية الاستجواب وأين الدور الرقابي الذي يأتي في مقدمة أدوار البرلمان الذي يرأسه النجيفي؟هل فهم النجيفي أن رئاسة البرلمان تعني قيادة الوفود التشريفية؟ أو حضور المؤتمرات الدولية فقط؟ألم يعرف رئيس البرلمان قبل هذا التشخيص البارع في تحديد مواطني الدرجة الثانية والدرجة الأولى أن البرلمان هو الحارس الأول على تطبيق الدستور؟ وكم هو عدد دوائر الدولة التي ساءلها النجيفي وحاسبها وفقاً لفراسته في تمييز "التمييز"العنصري ضد السنة في العراق أو لنقل إنها تورطت بالتمييز العنصري؟للنجيفي أن يتحدث كما يشاء، لكن ليس له أبداً وليس له الحق وليس لأي من أمثاله الحق في أن يدعي تمثيل طائفة من طيف الشعب العراقي حصرياً .إن السنــّة العراقيين ليسوا نكرات كي يتحدث النجيفي بلسان طائفتهم لوحده ثم لم يخبرنا الدستور المحروس من قبل النجيفي وأمثاله أن الانتخاب كان يحتوي على تمييز سحري يكتشف طائفة صاحب الصوت الانتخابي.ثم ألم تكن قائمة النجيفي وهي القائمة العراقية وزعيمها إياد علاوي من صدّع رؤوسنا أيام الانتخابات بشعارات الانفتاح على التمثيل الوطني في محاولة لإثبات أن القائمة العراقية هي وحدها من تحوي جميع أطياف الشعب العراقي؟أليست هذه أطروحة قائمة إياد علاوي الذي دفع بالنجيفي إلى رئاسة البرلمان ليتسلم حصة "العراقية" من الرئاسات الثلاث ، فأين كان المبتدأ وأين المنتهى؟ولو افترضنا أن عدداً من العراقيين السُنـّة لا يرغبون بالتطابق مع أطروحة النجيفي هل سندعوهم إلى التظاهر كي يقول بدوره :"أنا مازلت أمثل من لم يتظاهر" على طريقة الحكام العرب في الحساب العددي لحقوق الناس والتمثيل.لكن حتى ننصف النجيفي فإن هذا الخطاب يأتي ضمن آلية التخادم التي يبرع بها سياسيو العصر الطائفي من أجل تحشيد العقول وتخويفها قبل أن تتحشد في خنادق تغييب العقل الإنساني الساعي إلى المواطنة ، كي نكون أصحاب وطن لابد من البحث عن المواطنة التي افقدنا إياها هؤلاء. إن مجد السياسي واستدامته لمكانته لا تأتي من الألحان القديمة المتناشزة التي مازالت تعزف إلى الآن كي تذكر الناس ببلائهم الطائفي وأفواههم التي مازالت مليئة بالدم من بقايا تلك الحقبة سيئة الصيت والشخوص، لأنهم حتماً سيتذكرون من قام بحلب هذه المأساة لتدر عليه مناصب وإرباحاً ووجاهة وأموالاً تمطر دفعاً رباعياً وحمايات.لكننا على الأقل بدأنا نصنف بوضوح هذه النماذج من السياسيين ليعلم الناخب بالضبط أين سيضعهم في الانتخابات القادمة لكننا نأمل أن ينتبه الناخب كما نأمل أن تكون هناك انتخابات قادمة.
سياسي فـي الدرجة الثانية
نشر في: 21 أكتوبر, 2011: 05:49 م