TOP

جريدة المدى > مقالات واعمدة ارشيف > على هامش الصراحة: فانيلة سيّد مهدي

على هامش الصراحة: فانيلة سيّد مهدي

نشر في: 23 أكتوبر, 2011: 07:29 م

 إحسان شمران الياسريخلال الحرب المريرة مع إيران، كان بعض العسكريين يلجأون إلى الأئمة وأولياء الله وبعض السادة في محاولة للتخلص من هموم العسكرية وبرجاء العودة سالمين إلى أهليهم.. ولم يختلف الحال عند العريف (ناصر العبيد)، الذي كان يتبرك بزيارة (سيّد مهدي) عند التمتع بالإجازة وقبل الالتحاق إلى وحدته..
وكان أبو صالح كريماً بالأدعية وبإغداق الكلمات التي ترطب الأجواء الروحية المرتبكة لأبي حسين لاسيما قبل الالتحاق للمعسكر.. وكانت من كرامات سيد مهدي التي تمسّك بها صاحبنا (الفانيلة) التي منحه إياها لإسباغ البركة على جسده.. ولتحميه من (الشظايا).. الخ.ولن ادخل في مناقشة المعاني والدلالات لتلك الذهنية التي حملت ذلك العسكري المسكين للبحث عن وقاية لجسده النحيل من ويلات الحرب.. غير أن دلالة القصة ليست كمضمونها أحيانا.. فأنا استخدم هذه القصة، واستخدمتها سابقاَ في توصيف أحوال الدنيا وبعض المؤسسات والأشخاص، حيث يظهر لنا منها الشيء اليسير الذي يُغرينا أحياناً للتصريح بالمنجز والنتائج، فنعتقد أن هذا هو الجوهر والحال. ولولا  الظروف التي تكشف البعض، فتُظهره عارياً، تلفح به الريح أياما وسنين وعقوداً، لكانت الحياة (بيد الظالم) حتى نفارقها..تقول حكاية ناصر العبيد انه بعد أن مّل ويلات الحرب ودفعت أسرته ثمناً كبيراً من الجوع والفاقة ونقص الثمرات، قرر أن يفرّ من وحدته ويعيش بعيداً عن عيون الناس في الأرياف متنقلاً بين المعارف والأصدقاء، وأحيانا في الفلوات حيث لا امن ولا انضباط عسكري ولا جيش شعبي ولا مخبري الحزب.. ولقد كابد الصعوبات وبات لياليه بلا شراب أو طعام، و(شبع) من المفاجآت و(الهبطات)، كلما مرت مفرزة أو مجموعة عسكرية أو حزبية.. كأنه المطلوب أبداً مثل الهدهد. ويوم اصدر النظام قرار العفو عن المجرمين والمتخلفين والهاربين، شمله العفو فكان اتجاهه الأول إلى الحمام الشعبي في قضاء الحي. وفور وصوله عرض على صاحب الحمام مشكلته وهي كما يأتي:- ياخويه يا أبو عباس.. صار سنة جلدي ما شايف الماي.. چنّي شايل 50 كيلو (غاذورات)..فطمأنه صاحبه: على كيفك.. يصير خير.. تتدلل.. وبعد عدة جولات من الغسل و(الجَلِف) ظهرت البشائر وهتف صاحب الحمام:- ما شاء الله.. جلدك ابيض مثل الثلج..وهنا ظهرت الحقيقة.. وهي موضوعنا، إذ إننا نحتاج إلى (حمام) أبو عباس لكل من يخفي عنا واقعنا، ويُراكم على نفسه ومؤسسته (غاذورات) لا نهاية لها..- ياخويه هذا مو جلدي.. هسه يالله وصلت لفانيلة سيد مهدي!!  بديل له!!يقولون (والعُهدة عليهم، واسأل الله أن يدخلهم جهنم إن كانوا كاذبين)، إن دولة رئيس الوزراء رفض استقالة احد المسؤولين (الفاشلين) نظراً لعدم وجود (بديل له).. واسأل الله مرة أخرى أن يُلقي الزاعمين بهذا القول في الدرك الأسفل من النار إنْ كان افتراءً على الناس وعلى المسؤولين. ولكن لنفترض إن دولته رفض بالفعل استقالة احد المسؤولين.. ولنفترض إن ذاك المسؤول لم يكن فاشلاً بل مسؤول على درجة كبيرة من الأهمية، وعلى سعة كبيرة بمهام مؤسسته.. وكان ناجحاً نجاحا منقطع النظير.. وكل هذه فرضيات قد لا تجد من يقرأها في زحمة الكم الهائل من الصحف والأخبار والفضائيات و(الثرد)، ولكن لكل فرضية لذّتها، ولكل برهان نظرية لذته وفائدته..ودعني اسأل، لماذا نفترض إن شخصاً ما لا بديل له. ومن هو الشخص بمواصفات من هذه الشاكلة.. وهل في دولتنا (عُسر) ولادات بحيث إن أُماً عراقية ماجدة ولدت ولم تلد بعدها النساء.. فالمهندس موجود، ونتعثر بالكفاءات منهم، ثم لا نسأل عنهم.. والاقتصاديون أكثر من (الهم على القلب) كما يقول سيد مهدي.. والأطباء العراقيون يُديرون أفضل مستشفيات العالم.. حتى قال أحدهم إن نقيب أطباء بريطانيا عراقي.. أما المحاسبون، فيبحثون عمن يوفر لهم فرصة عمل، وبعضهم بكفاءة تبزُ كفاءة الانكَليز والكنديين والأمريكان.. فهل من مزيد.. المحامون والحقوقيون والمتخصصون بالعلوم السلوكية والجغرافيا والتاريخ والدين والتربية (الوطنية والقومية) والأحياء والصيدلة وشؤون العشائر والمختارون والضباط والغواصون والبحارون.. ولا ادري بقية المهن العديدة.. فمن هو المسؤول الذي لا بديل له، والذي شعر (ويا للعجب) انه فاشل، فطلب التنحي لان الأمة (كفرت) من فشله.. ومع ذلك تتمسك به الدولة وتقول (لا بديل له).. اهو (إينشتاين)؟!.. لا ادري.. ولكن الأخير لم يدع انه (لا بديل له)، حتى انه منح سائقه فرصة أن يُلقي المحاضرة بدلا منه في إحدى الجامعات نظراً لمقدار ما استوعبه (السائق) من معلومات نتيجة مرافقته.. يعني إن (إينشتاين) أصبح له بديل. فمن هو المسؤول الذي ليس له بديل أو (لا بديل له)؟. إن من يدّعي، أو يوهم الناس، والرؤساء، أنْ لا بديل له، هو المسؤول الفاشل الذي ينصب (الشرك) للناس، ويضع كل شيء رهناً بشخصه ابتداءً من الإبرة وحتى نصب المحطات العملاقة لتوليد الكهرباء أو تحلية المياه أو إطلاق الصواريخ.. إن دولتنا ابعد ما تكون عن مثل هؤلاء الشخوص واقرب للهزيمة بوجودهم..

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

حياتي وموت علي طالب

حياتي وموت علي طالب

غادة العاملي في لحظة تزامنت فيها الحياة مع الموت استعدت ذكريات عشر سنوات ،أو أكثر .. أختصرها الآن في ذاكرتي بالأشهر الثلاثة الأخيرة. حينما اتفقنا أناقرر هو أن يسافر ملبيا الدعوة التي انتظرها لأكثر...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram