عبد الخالق كيطانأنا كاتب أحبّ الصراحة. ولهذا لا أستحي من القول بتأكيد كبير: نحن طائفيون حدّ النخاع. وعندي، لجملة يقينية مثل هذه، عشرات الأمثلة، وربما المئات. والمؤسف جداً أننا ننكر ذلك ليلاً ونهاراً، والسبب في إنكارنا غامض، لماذا لا نقول نحن كائنات طائفية وننتهي؟ فباعترافنا قد نبدأ صفحة جديدة.. حقيقة لا أدري.
بالأمس، وبمزاج حاد، كتبت في الفيس بوك ما نصّه: إذا كان السياسيّون، ورجال الدين، والمثقفون، والإعلاميّون، وشباب الفيس بوك، والناشطون المدنيّون، والأحزاب المشاركة بالسلطة وتلك التي خارجها، وأرباب المقاومة الشريفة وغير الشريفة... إذا كان كل هؤلاء يرددون ليلاً ونهاراً أنهم ضدّ الطائفية، فمن هو الطائفي بيننا يا ترى؟... وبمجرد نشر هذه المشاركة اسهم في الحوار عدد كبير من الأصدقاء، أغلبهم من النخب المتعلّمة. الأمر اللافت أن الجميع اتفق مع اعترافي الذي أوردته في أول الكلام. نعم: طائفيون. تحرّكنا مشاعر طائفية بمختلف الاتجاهات، ويلعب بنا الساسة الطائفيّون على طول الطريق. نعارضهم أحياناً، ونهاجمهم بشدة، ولكن إن تعرضوا للنقد من أبناء الطائفة الأخرى نتحول إلى مدافعين شرسين عنهم. الحال أن هذا هو أكثر ما يسعد ساستنا على مختلف طوائفهم، والحال أن هذه الفكرة، أي أن يلعب السياسي بمشاعر جمهوره الطائفيّة، لعبة قديمة تعود إلى أبعد من تأسيس الدولة العراقية، كما أعتقد. الأحزاب التي "تتقاسم" السلطة اليوم صعدت بفعل قواعدها الطائفيّة. صحيح أن هذه القواعد قد تراجعت في الانتخابات الأخيرة، ولكن الصحيح أيضاً أن بالونات اختبار مازالت تطلق لقياس مدى الولاء الطائفي عند الجمهور. حادثة النخيب الأخيرة، ثم رد فعل مجلس محافظة كربلاء وأخيراً رد فعل أبناء الأنبار، ابرز بالون اختبار في الشهور الأخيرة. البعض يعتقد أن تخلّص العراق من "الزرقاوي" و"أبو أيوب المصري" سيعيد البلاد إلى جادة الصواب، ويقصدون نهاية العهد الطائفي، وهذا، عندي ضحك على الذقون. فالطائفيّة في هذي البلاد لم يخترعها هؤلاء، ولم تكن ميتة لكي يعيدوا إليها الروح.. أما عن اتهام الأميركان بأنهم يقفون وراء هذه المعضلة فهو عندي مردود جداً لسبب وحيد: إن المتقاتلين على الأرض من أبناء الطوائف إنما كانت تحرّكهم عقائدهم ليس إلا. قد نتفق على أن الأميركان لم يحركوا ساكناً أمام المذابح الطائفية، ولكن هذا لا يغير من حقيقة الأمر شيئاً: العلّة فينا.لا يستطيع كائِنً من يكون أن يأمر الناس بترك اعتقادهم الديني أو الطائفي. قوة السلاح نفسها لن تستطيع ذلك. ولا يستطيع أعظم مفكري العالم أن يقنع ساستنا، الطائفيين حدّ النخاع، بأن يركنوا إلى منهاج وطني في قيادة البلد، بل أحزابهم، بدلاً عن الشعار الطائفي، فهؤلاء الساسة يدركون أن بقاءهم تغذيه الصراعات الطائفية وليس المشروع الوطني، فما الحلّ ونحن نشهد أكبر انتكاسة للمشروع الوطني؟لا حلّ، في تقديري، على المدى المنظور. فالحلّ يكمن في ولادة التيار التنويري الليبرالي الذي يستطيع الوصول إلى قطاعات واسعة من الشباب في هذه البلاد المنكوبة. وولادة مثل هذا التيار الحقيقيّة بحاجة إلى عمل مضن وطويل، أما ما نشهده من مشاريع على هذه الطريق، فهي باعتقادي الشخصي، محاولات، أو مقدمات، على هذا الطريق.
عين: طائفيون حدّ النخاع
![](/wp-content/uploads/2024/01/bgdefualt.jpg)
نشر في: 24 أكتوبر, 2011: 09:10 م