TOP

جريدة المدى > مقالات واعمدة ارشيف > سلاما ياعراق :المعلم الشيوعي

سلاما ياعراق :المعلم الشيوعي

نشر في: 28 أكتوبر, 2011: 08:18 م

 هاشم العقابي لتذكر الماضي وقع تختلف طبيعته من شخص لآخر طبقا لتجربة الشخص الذاتية. فبالنسبة لي تأتي اسماء المعلمين الذين علموني في مرحلة الابتدائية في اعلى قائمة الذكريات التي احن اليها. استحضر أسماءهم ووجوههم والوان بدلاتهم وطريقة كلامهم فتنتعش روحي، ثم تتكدر لاني اعلم جيدا بان ايامي قد خلت منهم.
اتصلت ببعض من اصدقاء الدراسة الابتدائية، قبل يومين، بدافع ان انزل شيئا من الطلاوة على روحي. استعرضنا اسماء معلمينا خاصة الذين كنا نحبهم حتى صارت لدي قائمة فيها اكثر من عشرة اسماء.تفحصت قائمة اولئك المعلمين الذين نسيت عشرات غيرهم، فوجدتهم كلهم من الشيوعيين او من المحسوبين على الحزب الشيوعي. هذا ليس مدحا للحزب لكنها حقيقة. وفي قول الحقيقة انصاف كما يقولون. هذا ما انتبهت اليه اليوم وليس في ايام التلمذة.  ففي ايامها كنا اطفالا لا نعرف معنى الاحزاب والحزبية مثلما لا نعرف الطائفية والرأسمالية والقومية والاشتراكية. وعدم المعرفة بتلك الاشياء في ايام الطفولة نعمة فضيلة.رغم شيوعيتهم، لم يحدثونا يوما عن الشيوعية او اهدافها ومبادئها. كانوا اكثر المعلمين بساطة وتواضعا. اذكر ان استاذ حسن دواح كان يحضرنا قبل نصف ساعة من الدوام ليغسل ايدينا بماء دافئ ثم يدهنها بالفازلين حتى لا نصاب "بالمشك". واستاذ عبد الحسين السعيدي يحضر معه لفة مناديل ورقية ينظف بها "خشوم" الاطفال التي تخر من الرشح.وأغلب النشاطات اللاصفية كان يرأسها معلمون شيوعيون يعلموننا فيها التمثيل وفن الخطابة والقاء الشعر واعداد النشرات الجدارية. اضافة للجان علمية تعلمنا من خلالها كيف نصنع جهاز راديو صغير لا يكلف اكثر من عشرين فلسا، وفانوسا سحريا لتكبير الصورة من صندوق كارتوني وعدسة نظارة. لا يستعملون العصا ولا الزعيق لتخويفنا. كانوا يحيوننا. والاطفال ادرى بمن يحبهم.كنت في ناحية الزبيدية التابعة للكوت يوم حدث انقلاب شباط الاسود في العام 1963. واول من لبس السواد في تلك الايام مدارسنا الابتدائية. فالمدير تغير وجاءنا مدير لا تفارقه بدلة الحرس القومي والرشاشة. واختار له معاونا لا لكفاءته، بل لانه اول من هوى "بالتوثية" على رأس المرحوم ماجد محمد أمين بعد ان قتل في مدينتنا ورمي في الفلكة فرجة للناس.كل المعلمين الذين أحببناهم وأحبونا اقتيدوا للسجون وتم تعذيب بعضهم أمام أعيننا. ثم فصلوهم من وظائفهم. فالأستاذ حسن ، مثلا، صار بقالا، واستاذ سعيد قصابا واستاذ عباس فتح بسطية لبيع الخضراوات على الرصيف في مدينة اخرى.ولم تمر سوى اشهر حتى خلت المدارس من خيرة المعلمين بعد ان حولوهم الى كتاب صادرة وواردة. هذا اذا لم تتم تصفيتهم في غرف التعذيب وعلى اعمدة المشانق. كانت تلك بداية الخراب التربوي الذي لم يجد من يعمره لحد اليوم.المعلم الشيوعي كان ثروة تعليمية تحتاج من ينصفها اليوم. ليس من اجل الشيوعيين، بل من اجل اطفالنا على الاقل.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

حياتي وموت علي طالب

حياتي وموت علي طالب

غادة العاملي في لحظة تزامنت فيها الحياة مع الموت استعدت ذكريات عشر سنوات ،أو أكثر .. أختصرها الآن في ذاكرتي بالأشهر الثلاثة الأخيرة. حينما اتفقنا أناقرر هو أن يسافر ملبيا الدعوة التي انتظرها لأكثر...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram