شاكر لعيبي العمارة فن من الفنون الجميلة من دون شك، وهي لا تتطابق تماماً، مع "الهندسة المعمارية" أو "الهندسة المدنية". لذا فهي تشكِّل بعضاً من عُدَّة وأدوات المعنيّ بالجَّمال والجماليات. العمارة معنية بالبصريّ قدر عنايتها بالوظيفيّ، بينما ليس من الضروري أن يكون كل مهندس معماريّ فناناً معنياً بالمرئي بالمعنى الخلاق للكلمة، أي يمنح لمعايير الجماليّ المرهفة الوزن ذاته الذي يقيمه للوظيفيّ.
من هنا يمكن أن تهمّ العمارة المتخصص واللامتخصص، مؤرخ الفن والشاعر وطالب الفنون الجميلة، وهي تهمّ خاصة المعنيين وطلبة الاختصاصات الفرعية الواقفة على أطراف الهندسة المعمارية مثل الديكور الداخلي الذي يسمّى أيضا بالعمارة الداخلية architecture intérieur. لقد اهتمتْ اتجاهاتٌ فنية أساسية منذ نهاية القرن التاسع عشر بالعمارة، مثل "الفن الجديد " (أفضِّل أن أكتبه حرفياً كما يُلفظ: آر نوفو art nouveau) ومدرستي البوهاوس والدو ستايل. إن مدرسة الباو هاوس الألمانية التي أسسها المعمار الألماني والتر جربيوس Walter Gropius سنة 1919 كانت تبتغي التوصل إلى مفهوم يربط دراسة الفن كدراسة بالممارسات التطبيقية، وإيجاد وحدة بنيوية بين فن العمارة والفنون الأخرى كالرسم و النحت، لتستعين من حينها بفنانين كبار أمثال فينكر وشلمر وكاندينسكي. أما دي ستايل (الأسلوب) فقد ولدت في هولندا عام 1917 مع مجلة De Stijl وكانت تجمع شخصيات من مختلف الاختصاصات كالرسامين والنحاتين موندريان، وبيرت فان دير ليك وفريديرك فورديمبيرغ -غيلدوورت وجورج فانتونغيرلوو وسيزار دوميلا وفيلموس هوسزتار، والمصمم ديزلينير والمعماري غيريت رايتفيلد والمعماري جاكوبوس بيتير وود والمعماري ومصمم الأثاث روبيرت فانت هوف ومصمم المسرح والمعماري فريديرك غيسلير. وكانت هذه الحركة تسعى لخلق أسلوب عالمي متناسق متكيف مع جميع ضروب الحياة المعاصرة (من المنشآت المدينية إلى تصميم الأثاث، ومن التصوير إلى النحت)، وكانت تنتوي العمل بالترافق مع مشروع اجتماعي محدد، قبل أن يعلن موندريان جماعة "البلاستيكيين الجدد" التي ستطور، عبر استعارتها المفهوم الشكلي من دي ستايل، نظريات صوفية وروحانية تتعلق بالفن التجريدي.نود الإشارة إلى أن تطبيقات "الفن الجديد" المشار إليه امتدت على يد الأوربيين، الفرنسيين والإيطاليين بشكل خاص، نحو العاصمة تونس التي تقدم العديد من بناياتها أمثلة أساسية غير مدروسة بعد بشكل منهجي، عن تطبيقات "الفن الجديد" المعمارية السائدة في نهايات القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين. لعل الشعراء أقرب مما نتصور لطموح العمارة، فكلاهما يبحثان في تنظيمٍ ما للشكل. وأن العلاقة بين الشعر والعمارة أعمق بكثير مما قد يتوقع المرء، رغم اختلاف "مواد البناء" هنا وهناك. كما أن علاقة الشعر والعمارة مع الواقع الموضوعي هي عينها لو دققنا النظر، وهو ما حاول عملٌ بحثي مثل "العمارة الذكورية" التماس معه عن كثب. فلا تظهر الذكورية في الخطاب والممارسة السوسيولوجية، ولا في الخطاب اللفظي فحسب إنما في تجليات العمارة المادية نفسها. بل أن العلاقة بين الشعر والعمارة، قد تظهر في الأماكن غير المتوقعة، خاصة في ما أسميه "بالعمارة غير المثقفة" والشعبية التي تتمادى في مخيالها الخاص أثناء البناء. إن شعراً سوريالياً من نمط ما قد يظهر في العمارة كما نحاول أن نبرهن في عمل قيد الإنجاز في عمارة الجنوب التونسي، عمارة تناقِضُ بشكل جذري بعض طروحات غوستاف باشلار المهمة، وتتفارق خاصة مع خاصية العمودية والمواجهة اللصيقة بالعمارة حسب رأيه التي نجد، حسب رأيي، نقيضها في بيوت مطماطة التونسية مثلاً.
تلويحة المدى :عـن العلاقـة الداخليـة بين العمارة والشعر
نشر في: 28 أكتوبر, 2011: 08:25 م