حازم مبيضين في آن معاً تدافع تركيا عن حق السوريين في مقاومة نظام حزب البعث, وتشن حملة عسكرية ضد حزب العمال الكردستاني, وبما يؤشر على فشل الجهود السياسة التي هدفت إلى إيجاد حل سياسي للقضية الكردية, وإلى ما تراه أنقره من خطورة الورقة الكردية في معركة الصراعات الإقليمية الجارية, والناجمة عن ثورات الربيع العربي, وعلى خطى الطغاة العرب,
اتهم أردوغان فوراً جهات خارجية بدعم العمال الكردستاني, بهدف النيل من استقرار تركيا وازدهارها اقتصادياً وزيادة ثقلها إقليمياً، ولم يتوان عن استخدام لغة التهديد, وهو يعلن أن بلاده ستحمل المسؤولية لمن يساند التنظيمات الإرهابية.المقصود بالجهات الخارجية, سوريا أولاً, حيث تؤكد تركيا سعي دمشق إلى إحياء علاقتها بحزب العمال الكردستاني, على أمل دفع حكومة أردوغان لمراجعة موقفها مما يجري في سوريا، وبعدها إيران التي تنظر بعين الريبة إلى تعاظم الدور التركي في المنطقة، خصوصاً وأنها عضو في حلف الأطلسي, وتعتقد أنقره بأن إيران ليست بعيدة عن استخدام الورقة الكردية لإشغالها بمشاكلها الداخلية, وإبعادها عن الانخراط في مشاريع الأطلسي تجاه المنطقة, والجهة الخارجية الثالثة من وجهة نظر الاتراك هي إسرائيل, التي يمكن أن تقدم دعماً أمنيا وعسكريا للعمال الكردستاني, نكاية بموقف أنقره الداعم للحق الفلسطيني. المهم هنا أن القناعة التركية, ( وهي مشكوك بوجاهتها ) , تتركز على اتهام الحراك الكردي على أراضيها, بأنه تحرك إقليمي لإضعافها, والحد من تعاظم دورها الإقليمي, وأن حزب العمال مجرد مجموعات إرهابية, تسعى للانفصال عن تركيا لصالح مخططات خارجية, وهي قناعة آنية تتناقض طرح أردوغان بنفسه خريطة طريق لحل المشكلة الكردية, وهذا اعتراف بوجود المشكلة وضرورة حلها بعيداً عن النظر إلى خارج الحدود, لكنه وتحت وطأة الدوافع الانتخابية تراجع عنها رغم التنازلات التي قدمها حزب العمال, واقتصرت في نهاية الأمر عند حدود المطالبة بحكم إداري, متراجعاً عن مطلبه الكبير بإقامة دولة كردية.من المهم قبل أن تتحرك تركيا خارج حدودها أن تتنصل من تسمية كردها باتراك الجبل, منكرة قوميتهم, وهي تشن ضدهم حملات عسكرية بشكل منتظم, لكنها لم تتمكن حتى اليوم من القضاء على طموحهم, وهي إذ تختصر علاقتها التصادمية مع الأكراد بحربها ضد العمال الكردستاني, تتجاهل نجاح هذا الحزب في إيصال ما يقارب الاربعين نائباً الى البرلمان, إضافة لنجاحاته البارزة في السيطرة على البلديات, وبما يعني أنه يمثل طموحات شعبه, وهو القادر على قيادة نضالاته, وهو في ذلك لا ينطلق من الدعم الخارجي بقدر ما يستغل أي ظرف متاح لتحقيق أهدافه.يدرك القادة الأتراك وفي مقدمتهم حزب أردوغان, استحالة حل المسألة الكردية بالطرق العسكرية، لكنهم جميعاً يكابرون لعدة أسباب, أبرزها سيادة ثقافة قومية ضيقة غير قادرة على الاعتراف بهوية الآخر المختلف, وقدرة هذه الثقافة على خلق طبقة سياسية أسيرة لها، إضافة إلى مخاوف تقسيم البلاد, وموقف العسكر المناوئ بشدة لأي طموح كردي, وهم يماطلون في حل هذه المعضلة, بالاعتماد على الموقفين الإقليمي والدولي الرافضين لإقامة كيان كردي, يضم أبناء هذه القومية المتناثرين في العراق وإيران وسوريا وتركيا, وهم لذلك يعجزون عن فتح حوار حقيقي مع الكرد, غير أنهم يتجاهلون فشل سياساتهم الراهنة في تأجيل حل القضية الكردية إلى الابد, وهي التي تستفيد من نسائم ربيع العرب, وهنا يبدو التناقض شديد الوضوح بين سياسة تركيا تجاه كردها, وسياستها تجاه مفجري الربيع العربي الذي يستفيد منه الكرد بالدرجة الأولى.
في الحدث :الازدواجية فـي السياسات التركية
نشر في: 28 أكتوبر, 2011: 09:14 م