علي حسين قبل أربعة أشهر من هذا التاريخ كان وزير المصالحة الوطنية عامر الخزاعي يقف مبتسما مع عدد من قادة الفصائل المسلحة ليقول للعراقيين ان " من حق الفصائل المسلحة التي انخرطت في عملية المصالحة الوطنية، المشاركة في العملية السياسية وتشكيل أحزاب وفق القانون ". في ذلك اليوم البهيج حاول الوزير ان يلطف الأجواء بتصريحات وردية عن التسامح ونسيان الماضي وفتح صفحة جديدة ، كان مبتهجا وهو يخوض معركته الكلامية المقدسة من اجل بناء دولة القانون ويشيع في المكان طقسا مفرحا حتى تحولت خطبه الى اناشيد.
طبعا السيد الوزير وهو يلقي خطاباته الوردية كان يتصور الامور على انها معركة بين اصدقاء وعليه ان يجمعهم ويأمرهم ، بمصالحة بعضهم البعض و تبادل القبلات و الأحضان على طريقة " عيب انتم اخوان ". ولعل هذه العشوائية و الارتجالية كانت ولا تزال الخطر الأكبر الذي يهدد نسيج العراق الاجتماعي والسياسي، كنت قد كتبت في هذا المكان احذر من مهرجانات المصالحة التي تقيمها الحكومة والتي تريد من خلالها ذر الرماد في العيون ، فالمصالحة الحقيقية تهدف الى خلق توافق يهدف الى خدمة العراقيين ، من خلال خيمة الدستور والقوانين والضوابط المنظمة لكل ما يطرأ على هذا الملف الحساس، ووفق هذا المعنى ينبغي أن يكون الحوار جزءاً من عملية سياسية تسعىإلى إغلاق ملف الماضي وفتح نوافذ جديدة للمستقبل، إلا أن ما نراه أمامنا من سلوكيات حكومية وسياسية تقول إننا ابعد ما نكون عن مفهوم المصالحة فلا يزال البعض يعتقد أن كل العراقيين الذين لم تسنح لهم فرصة الحصول على لجوء سياسي هم خونة ومن بقايا النظام السابق ويجب معاقبتهم، ولا يزال الكثير من مسؤولينا يتصور أن كل من يوجه نقدا للعملية السياسية فهو من فلول النظام السابق، ولعل مراجعة بسيطة لتصريحات العديد من ساستنا خلال الاشهر الماضية تمكننا من معرفة كيف يفكرون . ان المصالحة الحقيقة تعني بناء دولة المواطنة والقانون ، لكن البعض من قادتنا اليوم يريد ان يثأر ولا ينسى ، طبعا اتمنى الا يفهم من كلامي انني اطالب العراقيين بان ينسوا عقودا كانت الدولة مختصرة في رجل واحد، ولكني اطالب السادة المسؤولين بإشاعة مفهوم حقيقي للمصالحة يستند الى مبدأ تعزيز الحريات ونشر الديمقراطية والمواطنة ومحاربة الفساد وحكم القانون العادل على الجميع، إن الكوميدي في مسألة المصالحة الوطنية أن تسعى الحكومة إلى فتح حوار مع جماعات مسلحة ، بينما هي في المقابل تعلن حربا شعواء ضد مواطنين جريمتهم الوحيدة إنهم احنوا ظهورهم أمام عواصف صدام وإجرامه الذي عم العراقيين جميعاً. متى ستتوقف هذه الممارسات الحكومية ؟ يجب أن نتأكد أولا أن العراقيين لن يسمحوا بان تعود عصور الاستعلاء والسطو على حقوقهم وحرياتهم وان ظاهرة صدام حسين التي سعى من خلالها الى اقصاء الاخرين يجب الا تتكرر ، وان العراقيين لن يتوقفوا عن النضال في سبيل مجتمع يسود فيه العدل والقانون ، ان الانجاز الذي تحقق بعد عام 2003 ليس في الاطاحة بصدام ونظامه ومخابراته وسجونه السرية ، بل هو في اقامة نظام سياسي لن يسمح بظهور صدام جديد. هناك سؤال جوهري إلى كل الخائفين من بعبع اسمه البعث بدلا من الصراخ ومهرجان الخطب الرنانة وقرارات الاجتثاث وندوات المصالحة الورقية انزلوا الى الناس واقنعوهم بافكاركم ومشاريعكم ، لأن غالبية العراقيين لايعرفون ماذا يدور بالغرف المغلقة ، كما ان معظمهم لا يصدق ما يجري حين يجد بعض كبار المسؤولين تم اعفاؤهم من الاجتثاث من اجل عيون السلطة ، علينا أن ندرك ان الذين يريدون ديمقراطية على مقاسهم هم الاشد خطرا على الديمقراطية.
العمود الثامن :الحكومة عارية ديمقراطياً
نشر في: 28 أكتوبر, 2011: 09:47 م