علي عبد الأمير عجام لا جديد في تاريخ العراق السياسي، وتحديدا في عهده الجمهوري، أن يكون خطاب السلطة مفتونا بالمؤامرة، ففي صوت عبد الكريم قاسم دائما ثمة مؤامرات تبدأ من عبد السلام عارف ولا تنتهي بالاستعمار والرجعية مرورا بالبعث والشيوعي أيضا، وعند عبد السلام عارف، بطل المؤامرة في حديث قاسم، ثمة مؤامرات البعث والشيوعيين والاستعمار والصهيونية،
أما البعثيون الذين كانوا محور المؤامرات في عهدي قاسم وعارف، فان لا احد بزهم في تحويل المؤامرة إلى خطاب سياسي وثقافي تام: مؤامرة الجواسيس وعملاء الغرب والصهيونية، مؤامرة الشعوبيين المدعومين من شاه إيران، مؤامرات الشيوعيين قبل التحالف معهم، مؤامرات الامبريالية والرجعية بعد التحالف مع المعسكر الاشتراكي، مؤامرة "الجيب العميل" في إشارة إلى الثورة الكردية، مؤامرة الأحزاب الرجعية في إشارة إلى أحداث شباط 1977 (خان النص) بين النجف وكربلاء، مؤامرة الشيوعيين بعد انتهاء حفل التقارب الخادع معهم، مؤامرة حزب الدعوة "العميل" كما هي قرينته بحسب خطاب البعث وصدام، ولاحقا مؤامرة إيران الخمينية، والحرب التي كانت مفقسا لا يهدأ للمؤامرات، ثم مؤامرة "آل الصباح" وحرب الكويت ومؤامرة "العدوان الثلاثيني"، وما لحقتها من مؤامرة طويلة هذه المرة استمرت لأكثر من عقد اسمها "مؤامرة الحصار الظالم".نحو خمسين عاما والعراق مفتون بالمؤامرة، كأن العالم لا شغل له ولا قضية إلا التآمر على العراق، حد أن عددا غير قليل من مواطنيه ولفرط عزلتهم والضغوط الثقافية والفكرية التي مورست عليهم، صدقوا أن بلادهم ضحية مؤامرة متواصلة. وما أن سقط نظام المؤامرة وجوهر فكرتها في العام 2003 حتى انفتح هذه المرة "العصر الشعبي" للمؤامرة وعقابها في العراق، بعد أن كان إلى حين، "عصرا رسميا"، ومتصلا بالسلطات الحاكمة حصرا. "البعث" في السلطة، بمقابل مؤامرات الأعداء الذين يمكن اختصارهم في "الدعوة". اليوم "الدعوة" في السلطة بمقابل مؤامرات الأعداء الذين يمكن اختصارهم في "البعث" ولأغراض التحسينات يمكن توسيع الاصطلاح ليكون "أنصار النظام السابق". "البعث" في السلطة، بمقابل مؤامرات إيران. "الدعوة" في السلطة بمقابل مؤامرات العرب وتحديدا السعودية."البعث" في السلطة، بمقابل "مؤامرات الكرد". "الدعوة" في السلطة بمقابل "المطالب غير المشروعة للكرد". "البعث في السلطة" بمقابل مؤامرات آل الصباح في الكويت. "الدعوة" في السلطة بمقابل "التجاوزات الكويتية".كأن الحياة لم تتحرك في هذا المكان المصاب بلعنة أبدية اسمها "المؤامرة"، كأن السلطات تتناسل، لا أمراض الحكم وقذاراته وحسب، بل خطاب إدارة الصراع مع الآخرين (الأعداء دائما)، وفي هذا لا يبدو غريبا أن العراق لا يعرف التقدم نحو الحياة، لاسيما أن المؤامرة في العهد الدكتاتوري توصل إلى الموت، وفي "الديمقراطي" أيضا. العراق المعاصر ليس مفتونا بالحياة، بل هو اقرب إلى قرن الموت ومركزه المرعب في المنطقة، ذلك أن لا مكان في الأرض ولا حكم ولا خطاب سياسي عرفوا المؤامرة ومن ثم ضربها "بيد من حديد" مثلما عاش معها العراق وفيها ومن اجلها. العراق السياسي منذ زعيم الانقلابات إلى اليوم، هو الابن البار للمؤامرة وأمها وأبوها أيضا. شاعر وصحفي مقيم في الولايات المتّحدة
العراق المفتون بالمؤامرة
نشر في: 29 أكتوبر, 2011: 05:49 م