فينوس فائقيعتقد الكثيرون أن قضية المرأة قضية تخص وجودها ككيان، في حين أنها أساسا قضية وجودية بمعنى أنها تخص المجتمع الإنساني داخل المنظومة الكونية برمته، وليس داخل مجتمع واحد، وهذا لا يعني بأي حال من الأحوال تجاهل خصائص المجتمع الذي تتواجد فيه (س) من النساء و آخر تتواجد فيه (ص) من النساء، مع الأخذ بعين الاعتبار أن تكون لديهن نفس المشكلة كأن تهان من قبل الرجل أو تنتهك حقوقها أو تهان كرامتها أو تسلب منها حرياتها، والذي يميز بين مجتمع عن غيره هو مستوى الوعي الجماعي الذي تفتقر إليه مجتمعاتنا الشرق أوسطية للأسف..
القصد من هذا الكلام هو أننا في عصرنا الراهن بصدد صياغة أخرى لكل القضايا الإنسانية من حولنا بغض النظر عن المكان والزمان والبيئة و نخص قضية المرأة في هذا السياق. الحديث هنا، لا نعني به امرأة داخل أسرة معينة أو قرية أو مدينة، و إنما نعني به المرأة بصفتها كائنا كونيا داخل أسرة أو قرية أو مدينة أو حتى بلد من البلدان على خارطة العالم، والتي لها حقوقها الإنسانية كما للرجل دون تمييز. فعندما تهان امرأة ما داخل أسرة سواء في العراق، أو أفغانستان أو في أمريكا أو فرنسا أو في القارة الأفريقية، فإن هناك كائنا على وجه الأرض يتعرض إلى الاضطهاد وتنتهك حقوقه وحريته. العنف ليست له هوية، عليه فتأريخه بعمر التأريخ البشري ، كما أن ليس للكرامة الإنسانية هوية، فلو أخذنا الجغرافيا بعين الاعتبار، و قلنا أن النساء في أفغانستان على سبيل المثال يتعرضن للإهانة و العنف على يد الرجل يعني هذا لنا أن أفغانستان كغيرها من البلدان التي تقع في منطقة الشرق المتخلف تختلف فيها القيم الأسرية والاجتماعية و نظرة المجتمع إلى المرأة، و من خلاله يقاس مدى تطور المجتمع. وهذا لا يعني بأي حال من الأحوال خلو المجتمعات الأوروبية من العنف ضد المرأة نظراً لأنها قطعت شوطاً كبيراً في مجال احترام حقوق الإنسان و المرأة تحديداً ، بالعكس، فإن حالة واحدة تكفي لكي نقول أن ظاهرة العنف موجودة في أي مكان، لأن العنف على وجه الأرض يتعدى كونه حالة ليصل إلى درجة إنه يكون، ظاهرة كونية..عامل آخر من العوامل هو الغزو التكنولوجي الهائل و الثورة المعلوماتية و توسع شبكة الاتصالات هذا كله أوصل كل المناطق النائية في العالم ببعضها البعض وأصبح من الجائز القول إن المرأة الكردية أو العربية في أحد البلدان العربية التي تقطن القرية النائية الفلانية هي مواطن كوني تتعرض إلى الإهانة والعنف من قبل رجل من رجال أسرتها، سواء كان زوجها أو شقيقها أو... إلخ.. والثورة المعلوماتية و النظام العالمي الجديد (العولمة=secularism ) الذي ترك آثاره العميقة في صلب وظائف الحركات النسوية (الفيمينزمية) في العالم و غيّر من نظرتهم تجاه قضية المرأة بشكل ملحوظ، و تبني الخطاب العلماني الذي يغلب فيه العقل كعامل أساس في تنظيم الحياة و رفض الدين كمرجع للبت في الأمور إلى أن يتم الاختلاف عليها وإخضاعها لمبادئ الخير و الشر و الفضيلة و الرذيلة وتحديد دائرة البت في المشكلة في الثواب و العقاب. في ظل هذا النظام العالمي الجديد تحتاج المرأة لأن تعيد النظر في قضيتها و أن تصوغ تعريفاً لنفسها داخل نظام العولمة لكي تواكب التطورات الهائلة في العالم على الصعيد السياسي و القانوني، بشكل خاص مايتعلق بمشاركتها السياسية و الإدارية في المجتمع و مشاركتها في إدارة الاقتصاد و اطّلاعها على القوانين الدولية التي تطرأ عليها التغييرات بشكل مستمر والتي تخص حقوق الإنسان و حقوق المرأة. و أن تصوغ تعريف المرأة الضحية، وألا تعرّف نفسها على أنها ضحية عادات و تقاليد مجتمعية و دينية في مجتمعها الصغير داخل القرية أو المدينة أوحتى في حدود موطنها الأكبر، وإنما هي ضحية نظام رجالي سائد في أغلب بقاع العالم، و تغيير وضعها يحتاج إلى ثورة ليس في منطقة جغرافية معينة وإنما يحتاج إلى ثورة عقلية شاملة ضد هذا الموروث الاجتماعي الكوني، وعليه أن تعيد تعريف قضيتها ومعاناتها في سياق إنساني كوني و وفق معطيات المواثيق والقوانين الدولية الخاصة بحقوق الإنسان.هذا التوجه الكوني في التفكير لدى الأفراد، سواء النساء منهم كضحايا العنف، والمنظمات النسوية هو الذي يحدد وظيفة كل منهم، وحتى الكتّاب الذين يتحدثون عن القضية و الصحفيون منهم تحديداً. فهذه حالة سايكولوجية إنسانية يجب أن نرتقي إليها، بعد أن نتخلص من إحساسنا بأننا محتلون أو مسيرون من قبل الغير.ولو أخذنا بنظر الاعتبار أن أهداف الحركات الأنثوية منذ بدء نشوئها حتى يومنا هذا تركز على التغيير الاجتماعي و الثقافي و بناء العلاقات بين الجنسين، إضافة إلى سعيها من أجل المزيد من العدالة و المساواة المطلقة، فبغض النظر عن الخطاب المتطرف التي تتبناها والتي تتجسد في معاداة الرجل، لكنها استفادت من حركة العولمة التي تطالب بغلبة العقل الإنساني على عامل الدين و رفض الدين كمرجع للقطع في الأمور وحل النزاعات والاختلافات. عليه يمكننا الاستفادة من هذا التوجه لكن على أساس إنساني وخصوصاً في ما يتعلق بقضيتي العدالة و المساواة بين الجنسين. من الطبيعي إن هذا الكون يقوم على قدرات الجنسين، لكن قضية عدم المساواة هي التي تخل بنظرية العدالة في الكثير من المجتمعات في العالم المتخلف التي ينظرون فيها إلى المرأة كسلعة قابلة للتبديل و الامتلاك و البيع و الشراء و التهميش وعدم الاعتراف بقدراتها العقلية الإبداعية ،و بالتالي عدم منحها الفرصة الكافية لكي تمارس حقوقها السياسية
قضية المرأة من خطاب محلّي إلى خطاب كوني
نشر في: 30 أكتوبر, 2011: 06:36 م