ترجمة: ابتسام عبد الله في منتصف شهر حزيران، وجه الشاعر العربي السوري الشهير أدونيس رسالة مفتوحة إلى الرئيس السوري بشار الأسد. المسرح كان مهيّأً لمثل تلك اللحظات، المألوفة عبر ثورات انقضت، التي يواجه فيها بطل مفكر حاكماً مستبدّاً معبّراً بفصاحة عن أسس شعب. ولكن أدونيس- الذي يعيش لاجئا في فرنسا- بدلاً من ذلك، أثار بمرارة خيبة أمل الكثير من السوريين.
فقد تضمنت رسالته شيئا من النقد، ولكنها أيضا شوهت حركة الاحتجاج التي كانت قد اجتاحت البلاد منذ شهر آذار، وفشلت أيضا في الاعتراف بسحق المتظاهرين التي أدت إلى قتل مئات عدة من السوريين. وقد أدت تلك الحادثة إلى كشف مدى الهوّة ما بين المفكرين العرب المعروفين - والكثير منهم، مثل ادونيس، راديكاليون قدامى - وبين الشباب الذين قادوا احتجاجات الربيع العربي.فبعد أكثر من 10 أشهر عن بدئها، بعد انتحار بائع متجول تونسي، أينعت الثمار، وبدأت الموجة الهائلة للعصيان عبر العالم العربي وأدت إلى إسقاط ثلاث دكتاتوريات، وأدت أيضا إلى انتخابات جديدة في تونس أخيرا، اعتبرت من قبل الكثيرين فجر مرحلة جديدة . إن تلك الانتفاضات لم تخضع لأي مشروع سياسي أو اقتصادي، أو أي شعارات فكرية معروفة من تلك التي شكلت الثورات الحديثة كافة منذ عام 1776 وحتى اليوم. ففي تلك الثورات ساعد المفكرون - من توماس بين إلى لينين الى ماو والى فاكلاف هافل - في تقديم صورة موحدة أو أنهم أصبحوا رموزا يستوحي الناس منهم الأفكار. إن غياب مثل هذه الشخصيات في الربيع العربي،يعود جزئيا إلى الضغط الفروض على المثقفين العرب الذين عاشوا عقودا محصورين ما بين السلطة القاسية من جهة، وبين الإسلام المتشدد من جهة أخرى. وكانت النتيجة فقدان الصلة ما بين واقعهم ومجتمعاتهم. فقد عاش البعض منهم في المنفى، أو رضخ لأموال دول الخليج العربي،أما أولئك الذين بقوا في أوطانهم، فقد شاركوا في انتفاضات الربيع العربي وصفقوا له، ولكن دون قيادتهم لها، بل أنهم أظهروا أن الحاجة إلى مثل هؤلاء القادة قد تكون سمة مميزة لمرحلة واسعة إيديولوجية لاحقة، حيث تقل الحاجة إلى عقائد موحدة أو إلى شخصيات من أصحاب الكلام الطنّان، ويقول بهذا الصدد الشاعر العراقي الأصل سنان انطون (يدرس الآن في جامعة نيويورك) كتب بغزارة عن الربيع العربي: "لم تعد أية حركة في حاجة إلى قيادتها من قبل أبطال". وفي الوقت الذي تتواصل فيه الثورة بسوريا، نجد أن نوعية قادتها تبدو مفيدة للحيلولة بينها وبين أفراد الشرطة السرية، إن منظمي هذه الحركة يغادرون البلاد ثم يعودون إليها، من اجل تشكيل وتحديد الأهداف السياسية، ويبدو في هذا المرحلة الحاجة الضرورية للمفكرين، "لا احد يريد خطف الثورة"، كما يقول صادق جلال العظم، الفيلسوف السوري ونصير الحريات المدنية، ثم يضيف قائلا، "هذا الخوف الكبير يصبح عقبة".إن صمت المفكرين إزاء الانتفاضات الحالية، هو رد فعل متروّ إلى فراغ البيان الثوري في الأجيال السابقة. لقد بدأت الحركة الوطنية العربية في الثلاثينات من القرن الماضي وتواصلت في الأربعينات مع شبان مثاليين غير واقعيين، كان أملهم إخراج البلاد من الاستعمار السابق والتخلف والقبلية. وقد استهدى البعثيّون بالنظريات القومية الألمانية في القرن التاسع عشر والتي تتمحور حول الوطنية لتحقيق العدالة الوطنية وعصرنة البلاد.ولكن شعارات تلك المرحلة سرعان ما ترشحت من قبل الضباط في سوريا والعراق، والذين كان قادتهم "الثوريون" في الحقيقة، مجرد القبلية القديمة والحكم الفردي. وفي مصر أيضا، غدت الاشتراكية أشبه بحجة للدكتاتورية وقد وصلت الوطنية العربية إلى ذروتها مع معمر القذافي، الذي رأى نفسه مثل الآلهة، مفكرا ينشر أعماله القصصية ويفرض "النظرية العالمية الثالثة" على الشعب الليبي. فكل شيء في ليبيا العقيد القذافي بقي "ثوريا" وعندما أطاح الثوار بحكومته أخيرا، وجدوا صعوبة في الفصل ما بين أسماء المجالس الثورية لهم وبين تلك التي تهاوت. إن المحتجين الذي قادوا ربيع العرب، قد ملّوا الخطاب المبتذل للسياسة الدولية التي لم تحقق إلا القليل لفلسطين، وأدى إلى الانقسامات بين الدول العربية بدلا من توحيدها. إن الاهتمام الحالي بالحقوق المدنية والديمقراطية في الدول العربية لم يأت من فراغ. فقد بدأ المفكرون العرب في الحديث عن تلك القضايا منذ زمن طويل، ومن بينهم الفيلسوف السوري صادق العظم، والذي نشر بعد هزيمة 1967 كتابا بعنوان "النقد الذاتي بعد الهزيمة"، وفي خلال "انتفاضة دمشق"قبل عقد من الزمن، وقّع المفكرون السوريون على، "بيان - 99" يدعو إلى المزيد من الحقوق المدنية والانفتاح – وآخرون مثلهم في مصر – مهدوا الطريق بصمت لثورة هذا العام، ولكن أصواتهم تذهب سدى في الغالب، بسبب طبيعة لغتهم العلمانية في مجتمع تسوده السياسة الإسلامية التي غدت اليوم القوة الفاعلة. كذلك الأمر مع المصلحين الإسلاميين الذين يحاولون طرح نقدهم السياسي بمصطلحات دينية. والباحث المصري، حسن حنفي، على سبيل المثال، بدأ في الثمانينات الدعوة إلى خلق، "اليسار الإسلامي"، إيديولوجية اشتراكية لها جذور في الإسلام. وقد وصف بـ "المنشق&qu
المفكّرون العرب الذين لم ترتفع أصواتهم
نشر في: 31 أكتوبر, 2011: 05:25 م