اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > المدى الثقافي > محمود عبد الوهاب: كيف هو حال البصرة؟

محمود عبد الوهاب: كيف هو حال البصرة؟

نشر في: 1 نوفمبر, 2011: 07:14 م

علي الحسينيقليل من أصحاب الأثر الإبداعي ممن تخلصوا من ازدواجية الأوجه، التي تشيع كظاهرةٍ في الثقافة العربية والعراقية بخاصة. أولئك الذين نحترمهم كمبدعين، وفاعلين نشطين في سوح الثقافة، والأدب، إلّا أنهم يصدموننا بأفعالهم، وتصرفاتهم التي تخلو من الاتساق مع تنظيراتهم، وتتضاد مع جهدهم الثقافي والإبداعي المعلن.
ويمتدد هذا المسار الإزدواجي ليطال دائرة الفعل الإنساني، حيث نظرة الاستعلاء على الآخرين، وضخامة الذات، وتألُّهها إلى درجة لا يسع صاحبها النظر إلى الغير دون أن يكون تابعا له أو دونا منه.القاص الرائد "محمود عبد الوهاب" يتخذ له مكانة-بلا شك- في المقدمة بين تلك القلة القليلة التي رفضت ازدواجية الأوجه، وارتداء الأقنعة. فهو كما في نتاجه الإبداعي علامة تدل على طول الباع، وعمق المقدرة في الكتابة، والتعبير، وفذاذة في القص والسرد،كذلك هو إنسان متصالح مع ثقافته، ونفسه، وله حسّه الإنساني الشفيف الذي يتعامل به مع الآخر بغض النظر عن دوائر الانتماء التي يرجع إليها. فكما برع في جعل شخصيات قصصه، وأعماله تتسم بخصال إنسانية مرهفة، مبدياً من خلالها انحيازه إلى الطبقات الكادحة، والفقيرة، والمسحوقة، منتصراً لفعلهم الإنساني، كذلك هو في حياته. فهو لم يكتف بتوزيع صفاته الإنسانية، وبشمول شخصيات، وأبطال حكاياته بها، بل جعل منها قيمة عابرة لأدبه، وشخصيته نحو صحبه، ومحبيه، وقرّائه.فقد كان انساناً مضيئاً، ومشعاً. جمع بين سحر الحرف، وطلاوة العبارة من جهة، وصفاء الذات، وحلاوة النفس من جهة أخرى. سمته الأبرز بعد إبداعه هي إنسانيته التي لا تعاني من تبدلات مهما انتشر اليباس حولنا، وفينا. كان - ولما يزل- سيداً من سادات التعبير، ومحباً كبيراً يسلك درب الإنسانية الفسيح، وهي صفة (الأولياء الصالحين) بلغة المدونات المقدسة.عندما تُتَاح لك فرصة اللقاء معه لن تخرج خالي الوفاض، إلا وأنت أزددت انسانيةً، ومحبةً، وصفاءً، وتصالحاً مع نفسك، ومع الآخرين، كما أزددت أسئلةً ومعرفةً. ينسيك لقاؤه كل الغضب الجاثم على الصدر بسبب الذوات المتورمة عند (النخبة) وعقدها الخبيئة. لم يسمع منه أحد  قدحاً أو تجريحاً طال شخصاً مَهمَا كانت مكانته، وموقعه في الثقافة أو الأدب، كما هو ديدن (الجماعة الثقافية). "حتى استطاع هذا الصانعُ الماهر أن يصنع من نفسه مثالاً لناس المدن الفاضلة" على حد تعبير الشاعر ياسين طه حافظ.لا يعني كلامنا هنا أننا نمارس تصنيما أو أننا بإزاء أن نصنع من "محمود عبد الوهاب" إيقونة كما هي عادة الاحتفاء في (الثقافة العربية). بل هو استذكار إنساني لقامةٍ فارعةٍ لها حضورها البهي، والمضيء في ثقافتنا، وحياتنا التي يلفُّها البؤس الممتد لجميع مناحيها المتشظية.هذا الحضور الذي يكرّس البصرة (المتن) المتسمة بندية مع من يريد إزاحتها إلى الهامش. من هنا يَظهر تَعلّق" محمود عبد الوهاب" الشديد بمدينته، فكما سكنت البصرة غالبية أعماله، وقصصه سكنته كذلك، وجودياً، وحياتياً، ورمزياً.فهو لم يستطع تحمل عزلته عنها ولو كان فيها، ولم يغادر حدودها. سألني حين عدته يوم الأحد الماضي(30/10/2011) وقد خرج من غرفة الإنعاش: كيف هو حال البصرة؟!. كان حضوره فيها بمثابة طقس، وفريضة تحتم عليه ممارستها تجاهها.لم يتصور أن يغيب عنها كل هذه الأيام، ثمة تماه، وتعالق روحي بينهما، دفعا به إلى اعتياد لقاء (جسدها) يوميا، والتجوال فيه بالرغم من تشوهه، فهو لا يطيق هجره، ولا هجرها، وكأن في الأمر كيمياء سَحُور تتنافذ بين روحيهما.مدركة هي الأخرى انه بسمتها، وضحكتها، ودعابتها، وسراجها الذي ينير لها الدرب بعد أن أصابها العمى. سيكون غيابك، اذاً، ثقيلا، وموجعا لها، ولنا.ألم تقل إن "الحديث عن الموت يبعث على الكآبة والمخاوف" لذا نرجوك أن تديم الحياة معنا، وان لا تسمح لهذا الحديث الشؤم أن يصيبنا بالكآبة. نريد منك أن تخبرنا- كما كتبت في القطار الصاعد إلى بغداد-بأنّ ساعدك الطري"بدأ يشتد، وأن عضلات متينة، متينة جدا، ومفتولة جدا ًبدأت تظهر".لا نريدك ماضياً، بل حاضر بيننا، لذا عُد إلينا. عُد إلى بصرتك. فليس فينا طاقة لرحيلك يا "شيخنا". فنحن مثل حقائبك نستاء إن لم تغازلنا بالعودة والبقاء.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

بسبب الحروب.. الأمن الغذائي العالمي على حافة الهاوية

اعتقال "داعشي" في العامرية

التخطيط تبين أنواع المسافرين العراقيين وتؤكد: من الصعب شمول "الدائميين" منهم بتعداد 2024

هروب امرأة من سجن الاصلاح في السليمانية

وفاة نائب عراقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

أصابع بابلية' لأحمد مختار تتوّج عالميا

أصابع بابلية' لأحمد مختار تتوّج عالميا

في استفتاء موسيقي تنافسي سنوي حصلت إسطوانة “أصابع بابلية” للمؤلف الموسيقي وعازف العود العراقي أحمد مختار على مرتبة ضمن العشر الأوائل في بريطانيا وأميركا، حيث قام راديو “أف أم للموسيقى الكلاسيكية” الذي يبث من...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram